للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هي العربية المشرَّفة ما تزال حيَّةً قويةً تتحدثها أجيال المسلمين وتكتبها في شتَّى أقطار الأرض، وتسجِّل بها علومَها وفنونَها وإبداعاتِها وأمجادَها، فلا زالت العربية وستبقى الوعاءَ الأنيقَ المتين لحضارة الإسلام وآدابه وتميُّزِه.

فأين هذا من توراة موسى عليه السلام التي تعرضتْ للضياع فعاشت قُرابة ثمانية قرون نهْبَ النقل الشفوي، حتى إذا ما انتصف القرن الخامس قبل الميلاد حرّر عُزَيرُ [عَزْرا] نسخةً انتقاها من عديد الروايات الشفوية المختلفة، بلغةٍ هي مزيج من العِبْريَّة القديمة والبابِليَّة والآراليَّة، لا تَمَتُّ إلى لغة توراة موسى بنسَبٍ، فاتخذها اليهود كتابهم المقدس، وألَّهوا مؤلِّفَها {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} (١) جزاءَ حفظِه لها بعد تِيهٍ وضَياعٍ طويلَين. ولا تختلف الأناجيل عن التوراة فقد دُوِّنت رواياتها - بعد قُرابة نصف قرن من رفع عيسى، بالإغريقيَّة بعيدًا عن الآرامية لغة عيسى عليه السلام - فكان عهدَا الكتاب المقدس القديم والجديد مترجمَين عن لغتهما الأمّ، والمترجِم - كما يقول المثل الروماني -: كذّاب.

أمَّا السُّنَّة المطهَّرة فوصلت إلينا نقيَّةً صافيةً خليَّةً عن الهوى بأسانيد مُتَّصلة بالعدول الأُمناء الضَّابطين فكانت محلّ ثقة الأُمَّة واطمئنانها.

ويُعَدُّ "صحيح الإمام البخاري"، واسطةَ عِقدِ أمهات كتب السنة ودواوينها المعتبرة، فقد تلقته الأُمَّة بالقبول، وأجمع العلماء المأمونون على أنه أصح كتاب بعد كتاب اللّه تعالى، كيف لا؟! والإمام البخاري من أعلم علماء الأُمَّة وأنقاهم وأتقاهم، وهو الذي بذل له المسلمون خالص


(١) سورة التوبة: ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>