أن يكون غيرهم جمعه حفظًا عن ظهر قلبه، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب. والسابع: أن المراد: أن أحدًا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا أولئك، بخلاف غيرهم، فلم يفصح بذلك؛ لأن أحدًا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين نزلت آخر آية، فلعل هذه الآية الآخرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها ممن لم يجمع الجمع الكثير. والثامن: أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه، وقد أخرج أحمد: أن رجلًا أتى أبا الدرداء فقال: إن ابني جمع القرآن، فقال: اللَّهُم اغفر له، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاعه.
قال ابن حجر (٩/ ٥١): وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف، ولا سيما الأخير، قال: وقد ظهر لي احتمال آخر وهو: أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط، فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين؛ لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج، كما أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنه قال: افتخر الحيان: الأوس والخزرج، فقال الأوس: منا أربعة: من اهتز له العرش سعد بن معاذ، ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومن حمته الدبر عاصم بن ثابت، فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن ولم يجمعه غيرهم فذكرهم، انتهى كلام السيوطي.
فمراد أنس بقوله:"لم يجمع القرآن غيرهم" أي: من الأوس، بقرينة المفاخرة المذكورة لا النفي عن المهاجرين، فلعل هذا هو السر في تعقيبه بقوله:"ونحن ورثناه" ردًّا على من قال: إن أبا زيد هو سعد [بن] عبيد الأوسي؛ لأن أنسًا هو خزرجي فأبو زيد هو أحد عمومته الذي ورثه، كيف يكون أوسيًّا، كما ورد في "المناقب"(برقم: ٣٨١٠) عن رواية قتادة: