وهذا إنكار على السائلين عنه، يعني ليس هذا إلا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففيه نفي يريد به الإثبات، وإثبات يريد به النفي على سبيل التعكيس، ويحتمل أن يكون لفظ "هذا" إشارة إلى الكلام الأخير إدراجًا من أبي هريرة، وهو:"تقول المرأة" إلى آخره، فيكون إثباتًا لا إنكارًا، يعني هذا المقدار من كيسه فهو حقيقة في النفي والإثبات، وفي بعضها بفتح الكاف أي: من عقل أبي هريرة وكياسته. قال التيمي: أشار البخاري إلى أن بعضه من كلام أبي هريرة وهو مدرج في الحديث. وقال ابن بطال: فيه أن نفقته على الأهل محسوب في الصدقة، وإنما يبدأ بنفسه؛ لأن حق نفسه عليه أعظم من حق غيره بعد اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا وجه لإحياء غيره بإتلاف نفسه. وفيه: أن النفقة على الوالد للولد هو ما دام صغيرًا؛ لقوله:"إلى من تدعني؟ " وكذلك كل من لا طاقة له على الكسب كالزَّمِن ونحوه. واختلفوا في المعسر هل يفرق بينه وبين امرأته بعدم النفقة؟ فقال أبو حنيفة: لا؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة: ٢٨٠]، ولقوله تعالى:{إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور: ٣٢] فندب إلى نكاح الفقير فلا يجوز أن يكون الفقر سببًا للفرقة، وقال الأئمة الثلاثة: هي مخيّرة بين الصبر والفسخ؛ لقوله:"إما أن تطعمني وإما أن تطلقني"، ولقوله:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}[البقرة: ٢٣١] وإذا لم ينفق عليها فهو مضرّ بها، كذا في "الكرماني"(٢٠/ ٤ - ٥). [انظر "التوضيح"(٢٦/ ١٥)].
(١) الزهري.
(٢) أي: ما كان عفوًا قد فضل عن غنى، وقيل: ما فضل عن العيال، "مجمع"(٣/ ٥٠٥)، وقد مرَّ (برقم: ١٣٢٦) في "الزكاة".