للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. … ... … ... … ... …

===

الاجتناب أكثر مخارج. وأما حديث: "أخذ بيد مجذوم … " إلخ، ففيه نظر.

والجواب: أن الجمع أولى، كما تقدم، وأيضاً فحديث: "لا عدوى" صح عن عائشة وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وغيرهم، فلا معنى لمعلوليته.

وفي طريق الجمع مسالك أخرى: أحدها: نفي العدوى جملة، وإنما أمر بالفرار؛ لأن المجذوم إذا رأى صحيح البدن زادت حسرته. وثانيها: أن مخاطب "لا عدوى إلخ" كان من صح توكله، وحيث جاء "فِرَّ من المجذوم إلخ" كان المخاطب من ضعف يقينه لحمل الحديثين على حالين مختلفين. وثالث المسالك: قال القاضي أبو بكر الباقلاني: إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، ومعنى قوله: "لا عدوى"، أي: إلا من الجذام ونحوه. والمسلك الرابع: قال ابن قتيبة: المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ومضاجعته، أي: لا على طريق العدوى بل على طريق التأثر بالرائحة، قال: وأما قوله: "لا عدوى"، فله معنى آخر، وهو أن يقع المرض بمكان كالطاعون فيفر منه مخافة أن يصيبه؛ لأن فيه نوعاً من الفرار من قدر الله. والمسلك الخامس: أن شيئاً لا يعدي بطبعه، نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله، وفي نهي الدنو عن المجذوم إثبات الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، وفي الأكل معه إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله إن شاء لم تؤثر. والمسلك السادس: العمل بنفي العدوى أصلاً ورأساً، وحمل الأمر بالمجانبة على حسم المادة وسد الذريعة لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة، وإلى هذا ذهب أبو عبيد فقال: ليس في قوله: "لا يورد مصح على ممرض" إثبات العدوى، بل لأن الصحاح لو مرضت بتقدير الله تعالى إنما ظن أن ذلك من العدوى، كذا في "فتح الباري" (١٠/ ١٥٩ - ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>