إذ حديث سهل يحتمل أن يكون خيريته لفضيلة أخرى فيه كالإسلام، وحديث خباب ليس فيه ما يدل على فضله فضلًا عن أفضليته؛ إذ المقصود منه أن من بقي منهم إلى حين فتح البلاد ونالوا من الطيبات خشوا أن يكون قد عُجِّل لهم أجر طاعتهم بما نالوا منها؛ إذ كانوا على نعيم الآخرة أحرص، وحديث عمران يحتمل أن يكون إخبارًا عن الواقع، كما تقول: أكثر أهل الدنيا الفقراء. وأما تركه - صلى الله عليه وسلم - الأكلَ على الخوان وأكلَ المرقق فلأنه لم يرض أن يستعجل من الطيبات، وكذلك حديث عائشة رضي اللّه عنها، ثم إنه معارض باستعاذته - صلى الله عليه وسلم - من الفقر، وبقوله تعالى:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} أي: مالًا، وبقوله {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}، وبأنه عليه السلام توفي في أكمل حالاته وهو موسر لما أفاء اللّه عليه، وبأن الغنى صفة للحق والفقر صفة للخلق، فأجاب الطائفة العاكسة بأن السياق يدل على أن الترجيح للفقر؛ إذ الترجيح بالإسلام ونحوه لا حاجة له إلى البيان، وبان من لم ينقص من أجره شيء في الدنيا يكون أفضل وأكثر ثوابًا عند اللّه يوم القيامة، وبأن الإيماء إلى أن علة دخول الجنة الفقر يشعر بأفضليته، وأما حكاية ترك النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فهي دليل لنا لا علينا؛ إذ معناه: أنه اختار الفقر ليكون يوم القيامة ثوابه أكثر. وحديث الاستعاذة من الفقر معارض لحديث الاستعاذة من الغنى، وأما الآيتان فنحن لا ننكر أن المال خير، إنما النزاع في الأفضلية لا في الفضل، أو المراد بالإغناء في الآية الثانية: غنى النفس، وأما قصة وفاته فلا نسلِّم الإيسار؛ إذ كان ما أفاء اللّه صدقة وكان درعه رهنًا عند يهودي بقليل من الشعير، وأما غنى اللّه تعالى فليس بمعنى الغنى الذي نحن فيه، فليس من المبحث، "كرماني"(٢٢/ ٢١٥ - ٢١٦).