الواحد إثبات ما لم يوجبه القرآن، وذلك لا يمتنع، ولذا زيد في عدة المتوفى عنها الإحداد على التربص، فهو يفيد عدم معرفة الاصطلاح، وذلك أنه ليس المراد من الزيادة إثبات ما لم يبينه القرآن ولم ينفه، لا يقول بهذا عاقل فضلًا عن عالم، بل تقييد مطلقه، وبالتقييد ينتفي الحكم عن بعض ما أثبته فيه المطلق، ثم لا شك أن هذا نسخ، وبخبر الواحد لا يجوز نسخ الكتاب، وظن المعترض أن الإحداد زيادة غلط؛ لأنه ليس تقييدًا للتربص، وإلا لو تربصت ولم تُحِدَّ لم تخرج عن العدة، وليس كذلك، بل تكون عاصية بترك واجب في العدة، وإنما أثبت الحديث واجبًا لا أنه قَيَّدَ مطلق الكتاب، بل ما جاء في "البخاري" من قول أبي هريرة: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام"، وإقامة الحد ظاهر في أن النفي ليس من الحد لعطفه عليه، وكونه استعمل الحد في جزء مسماه، وعطفه على الجزء الآخر بعيد، ولا دليل يوجبه.
وما ذكر من الألفاظ لا تفيده، فجاز كونه تغريبًا لمصلحة، ثم في النفي فتح باب الفتنة لانفرادها عن العشيرة وعمن تستحي منهم، إن كان لها شهوة قوية [تفعله] وقد تفعله لحامل آخر وهو حاجتها، ويؤيده ما روى عبد الرزاق ومحمد بن الحسن في "كتاب الآثار" عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود في البكر يزني بالبكر: يجلدان مائة وينفيان سنة، قال: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حسبهما من الفتنة أن ينفيا. وروى عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب قال: غرّب عمر رضي الله عنه ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر، فلحق [بهرقل] فتنصّر فقال عمر: لا أغرّب بعده مسلمًا، نعم، لو غلب على ظن الإمام مصلحة في التغريب تعزيرًا له أن يفعله، وهو محمل التغريب الواقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللصحابة من أبي بكر وعمر وعثمان، كذا في "فتح القدير"(٥/ ٢٣١ - ٢٣٢).