للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

استمرَّ الخطأ، وإلا فمتى فرض أنه يطلع عليه فإنه يجب أن يبطل ذلك الحكم، ويرد الحق لمستحقه، وظاهر الحديث يخالف ذلك، فإما أن يسقط الاحتجاج به ويؤول على ما تقدم، وإما أن يستلزم استمرار التقرير على الخطأ وهو باطل، واحتج بعض الحنيفة بما جاء عن علي: "أن رجلًا خطب امرأة فأبت، فادّعى أنه تزوجها، وأقام شاهدين، فقالت المرأة: إنهما شهدا بالزور، فزوجني أنت منه فقد رضيت، فقال: "شاهداك زوجاك"، واحتج المذكور من حيث النظر بأن الحاكم قضى بحجة شرعية فيما له ولاية الإنشاء فيه، فيجعل الإنشاء تحرزًا عن الحرام، والحديث في المال، وليس النزاع فيه، فإن القاضي لا يملك دفع مال زيد إلى عمرو، ويملك إنشاء العقود والفسوخ فإنه يملك بيع أمة زيد مثلًا من عمرو حال خوف الهلاك للحفظ وحال الغيبة، ويملك إنشاء النكاح على الصغيرة والفرقة على العنين، فيجعل الحكم إنشاءًا حترازًا عن الحرام، ولأنه لو لم ينفذ باطنًا فلو حكم بالطلاق لبقيت حلالًا للزوج الأول باطنًا وللثاني ظاهرًا، فلو ابتلي الثاني مثل ما ابتلي الأول حلت للثالث، وهكذا فتحل لجمع متعدد في زمن واحد ولا يخفى فحشه، بخلاف ما إذا قلنا بنفاذه باطنًا فإنها لا تحل إلا لواحد، ولأن القاضي حكم بحجة شرعية أمر الله بها، وهي البينة العادلة في علمه، ولم يكلف بالاطلاع على صدقهم في باطن الأمر، فإذا حكم بشهادتهم فقد امتثل ما أمر به، فلو قلنا: لا ينفذ في باطن الأمر للزم إبطال ما وجب بالشرع، لأنَّ صيانة الحكم عن الإبطال مطلوبة، فهو بمنزلة القاضي في مسألة اجتهادية على مجتهد لا يعتقد ذلك، فإنه يجب عليه قبول ذلك، وإن كان لا يعتقده صيانة للحكم، هذه دلائل الحنفية نقلها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه للبخاري في "باب من قضي له بحق أخيه" من "كتاب الأحكام"، وما ترك شيئًا منها إلا اعترض عليه، والله أعلم بالحق والصواب، "فتح الباري" (١٣/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>