وحرف النزاع بين المعتزلة وأهل السُّنَّة أن الإرادة عند أهل السُّنَّة تابعة للعلم وعندهم تابعة للأمر، ويدل لأهل السُّنَّة قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ}[آل عمران: ١٧٦].
وقال ابن بطال (١٠/ ٤٧٧): غرض البخاري إثبات المشيئة والإرادة وهما بمعنى واحد، وإرادته صفة من صفات ذاته. وزعم المعتزلة أنها من صفات فعله! وهو فاسد. لأن إرادته لو كانت محدثة لم يخل أن يحدثها في نفسه، أو في غيره، أو في كل منهما، أو لا في شيء منهما. والثاني والثالث محال؛ لأنه ليس محلًّا للحوادث. والثاني فاسد أيضًا؛ لأنه يلزم أن يكون الغير مريدًا لها، وبطل أن يكون الباري مريدًا؛ إذ المريد من صدرت منه الإرادة وهو الغير، كما بطل أن يكون عالِمًا إذا أحدث العلم في غيره، وحقيقة المريد أن تكون الإرادة منه دون غيره. والرابع باطل لأنه يستلزم قيامها بنفسها. وإذا فسدت هذه الأقسام: صح أنه مريد بإرادة قديمة، هي صفة قائمة بذاته، ويكون تعلقها بما يصح كونه مرادًا.
قال: وهذه المسألة مبنية على القول بأنه سبحانه خالق أفعال العباد وأنهم لا يفعلون إلا ما يشاء، وقد دل على ذلك قوله: " {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الإنسان: ٣٠] وغيرها من الآيات، وقال:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} ثم أكد ذلك بقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة: ٢٥٣]، فدل على أنه فعل اقتتالهم الواقع بينهم لكونه مريدا له، هاذا كان هو الفاعل لاقتتالهم فهو المريد لمشيئتهم والفاعل، فثبت بهذه الآية أن كسب العباد إنما هو بمشيئة الله وإرادته، ولو لم يرد وقوعه ما وقع.
وقال بعضهم: الإرادة على قسمين: إرادة أمر وتشريع، وإرادة قضاء وتقدير، فالأولى تتعلق بالطاعة دون المعصية سواء وقعت أم لا، والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية، وإلى الأول