الإشارة بقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، وإلى الثانية الإشارة بقوله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: ١٢٥].
وفرق بعضهم بين الإرادة والرضا فقالوا: يريد وقوع المعصية ولا يرضاها لقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا … } الآية [السجدة: ١٣]، وقوله:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: ٧]، وتمسكوا أيضًا بقوله:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ}.
وأجاب أهل السُّنَّة بما أخرجه الطبري وغيره بسند رجاله ثقات عن ابن عباس في قوله تعالى:{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: ٧] يعني: لعباده [الكفار] الذين أراد الله أن يطهر قلوبهم بقولهم: لا إله إلا الله، فأراد عباده المخلصين الذين قال فيهم:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر: ٤٢] فحبّب إليهم الإيمان وألزمهم كلمة التقوى شهادة أن لا إله إلا الله، إن عبادي ليس عليهم سلطان، وقالت المعتزلة في قوله تعالى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الإنسان: ٣٠] معناه وما تشاؤون الطاعة إلا أن يشاء اللّه قسركم عليها. وتعقب بأنَّ صرف المشيئة إلى المقسر تحريف لا إشعار للآية بشيء منه، وإنما المذكور في الآية مشيئة الاستقامة كسبًا وهو المطلوب من العباد، وقالوا في قوله تعالى:{تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}[آل عمران: ٢٦] أي: تعطي من اقتضته الحكمة [الملك]، يريدون أن الحكمة تقتضي رعاية المصلحة ويدعون وجوب ذلك على الله، تعالى عن قولهم، وظاهر الآية أنه يعطي الملك من يشاء، سواء كان متصفًا بصفات من يصلح للملك أم لا من غير رعاية استحقاق ولا وجوب ولا أصلح، بل يؤتي الملك من يكفر به ويكفر نعمته حتى يهلكه، ككثير من الكفار مثل نمرود والفراعنة، ويؤتيه إذا شاء من يؤمن به ويدعو إلى دينه ويرحم به الخلق مثل يوسف وداود وسليمان - على نبينا وعليهم الصلاة والسلام -، "ف"(١٣/ ٤٤٩ - ٤٥٠).