(١) قوله: (ودنا الجبار رب العزة فتدلى) قيل: مجاز عن قربه المعنوي وظهور عظيم منزلته عند الله تعالى. "فَتَدَلَّى" أي: طلب زيادة القرب. و"قَابَ قَوْسَينِ" هو منه - صلى الله عليه وسلم - عبارة عن لطف المحل واتضاح المعرفة، ومن الله إجابته ورفع درجته إليه، والقاب: ما بين مقبض القوس والسية - بكسر المهملة وخفة التحتانية - وهي ما عطف من طرفيها، ولكل قوس قابان فقيل: أصله قابي قوس.
قال الخطابي ["الأعلام"(٤/ ٢٣٥٢)]: ليس في هذا الكتاب حديث أبشع مذاقًا منه، لقوله:"دَنَا فَتَدَلَّى"؛ فإن الدنو يوجب تحديد المسافة، والتدلي يوجب التشبيه والتمثيل بالمخلوق الذي تعلق من فوق إلى أسفل، ولقوله:"وهو مكانه" لكن إذا اعتبر الناظر لا يشكل عليه؛ فإنه إن كان في الرؤيا فبعضها مثلٌ ضرب ليتأول على الوجه الذي يجب أن يصرف إليه معنى التعبير في مثله. ثم إن القصة إنما هي حكاية يحكيها أنس بعبارته من تلقاء نفسه لم يعزها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم إن شريكًا كثير التفرد بمناكير لا يتابعه عليها سائر الرواة، ثم أنهم أولوا التدلي فقيل: تدلى جبريل بعد الارتفاع حتى رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - متدليًا كما رآه مرتفعًا، وقيل: تدلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا لربه شكرًا على كرامته، ولم يثبت في شيء صريحًا أن التدلي مضاف إلى الله تعالى، ثم أوّلوا مكانه بمكان النبي - صلى الله عليه وسلم -، "ك"(٢٥/ ٢٠٧)، أي: في مقامه الأول الذي قام فيه قبل هبوطه، كذا في "ف"(١٣/ ٤٨٤).
قال الحافظ ابن حجر (١٣/ ٤٨٣ - ٤٨٦): جزم الخطابي بأنه كان في المنام متعقب بما تقدم تقريره قبل وما نفاه من أن أنسًا لم يسند هذه القصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تأثير له، فأدنى أمره فيها أن تكون مرسل صحابي فإما أن يكون تلقاها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي تلقاها عنه، ومثل ما اشتملت عليه