وقال بعض الشراح المتأخرين: اختلف في هذه المسألة على أقوال: أحدها: أنها بدلت كلها، وهو مقتضى القول المحكي بجواز الامتهان وهو إفراط، وينبغي حمل إطلاق من أطلقه على الأكثر وإلا فهي مكابرة، فالآيات والأخبار كثيرة في أنه بقي منها أشياء كثيرة لم تتبدل، من ذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} الآية [الأعراف: ١٥٧]، ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه وجود آية الرجم، ويؤيده قوله تعالى:{فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[آل عمران: ٩٣].
ثانيها: أن التبديل وقع لكن في معظمها وأدلته كثيرة، وينبغي حمل الأول عليه.
ثالثها: وقع في اليسير منها ومعظمها باق على حاله. رابعها: إنما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ وهو المذكور هاهنا.
وقد سئل ابن تيمية عن هذه المسألة مجرد فأجاب في فتاواه: أن للعلماء في هذا قولين: أحدهما: وقوع التبديل في الألفاظ أيضًا. ثانيهما: لا تبديل إلا في المعاني. واحتج للثاني من أوجه كثيرة منها قوله تعالى:{لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} وهو معارض لقوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}[البقرة: ١٨١]، ولا يتعين الجمع بما ذكر من الحمل على اللفظ في النفي وعلى المعنى في الإثبات لجواز الحمل في النفي على الحكم، وفي الإثبات على ما هو أعم من اللفظ والمعنى، ومنها أن نسخ التوراة في الشرق والغرب والجنوب والشمال لا يختلف، ومن المحال أن يقع التبديل فيتوارد النسخ بذلك على منهاج واحد، وهذا استدلال عجيب؛ لأنه إذا جاز وقوع التبديل جاز إعدام المبدل. والنسخ الموجودة الآن هي التي استقر عليها الأمر عندهم عند التبديل. والأخبار بذلك طافحة.
أما فيما يتعلق بالتوراة فلأن بختنصّر لما غزا بيت المقدس وأهلك بني إسرائيل ومزَّقهم بين قتيل وأسير، وأعدم كتبهم حتى جاء عزير فأملاها