(١) قوله: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا} فإن قلت: الإيمان هو التصديق بالله ورسوله، والتصديق شيء واحد لا يتجَزَّأ فلا يُتَصَّور كماله تارة ونقصه أخرى؟ أجيب: بأن قَبوله الزيادة والنقصان ظاهر على تقدير دخول القول والفعل فيه، وفي الشاهد شاهد بذلك، فإن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى إنه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكلًا منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، ومن ثم كان إيمان الصدِّيقين أقوى من إيمان غيرهم، وهذا مبني على ما ذهب إليه المحققون من الأشاعرة من أن نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، وأن الإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته التي هي الأعمال ونقصانها.
وبهذا يحصل التوفيق بين ظواهر النصوص الدالة على الزيادة وأقاويل السلف بذلك، وبين أصل وضعه اللغوي وما عليه أكثر المتكلمين، نعم يزيد وينقص قوة وضعفًا وتفصيلًا وإجمالًا وتعددًا بحسب تعدد المؤمن به، وارتضاه النووي وعزاه التفتازاني في "شرح عقائد النسفي "لبعض المحققين، وقال في "المواقف": إنه الحق، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين والحنفية، لأنه متى قبل ذلك كان شكًّا وكفرًا، وأجابوا عن الآيات السابقة ونحوها بما نقلوه (١) عن إمامهم أنها محمولة على أنهم كانوا آمنوا في الجملة، ثم يأتي فرض بعد فرض، فكانوا يؤمنون بكل فرض خاص، وحاصله: أنه كان يزيد بزيادة ما يجب الإيمان به، وهذا لا يتصور في غير عصره - صلى الله عليه وسلم -، وفيه نظر؛ لأن الاطلاع على تفاصيل الفرائض يمكن في غير عصره - عليه السلام -، والإيمان واجب إجمالًا فيما علم إجمالًا، وتفصيلًا فيما علم تفصيلًا، ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد، انتهى، "قس"(١/ ١٤٧ - ١٤٨).