للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به، عمَد بعضُ أئمة العلم بالحديث دراية وروايةً إلى إسعافها بحاجتها هذه وكفايتها فيها، فصنفوا جوامع في السنة، وكان على رأسها كتاب أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري (ت ٢٥٦ هـ) المسمَّى: "الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه"، فقد اختصَّه المسلمون بالمرتبة العليا، ووُصِف بأنه لا يوجد كتاب بعد كتاب الله مصنَّفٌ، أصحُّ منه في الدنيا؛ وذلك لما اشتمل عليه من جمع الأصح والصحيح، وما قرن بأبوابه من الفقه النافع الشاهد لمؤلفه بالترجيح إلى ما تميز به مؤلِّفُه عن غيره بإتقان معرفة التعديل والتجريح (١).

ولهذه الميزة التي اختصّ بها "الجامع الصحيح" لقي من العناية والاهتمام ما لم يلقه كتاب سواه من الكتب المصنفة في هذا الشأن؛ فأقبل الناس عليه إقبالًا منقطع النظير، وحَفِلوا به أكثر من غيره من المصنفات، وقدّموه عليها، رواية ودرايةً، فكثر الرُّواة له الذين أخذوه عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري (ت ٣٢٠ هـ) تلميذ الإمام البخاري وراوية كتابه، الذي تعدّ روايته أشهر روايات "الجامع الصحيح"، حيث اشتهرت بتلقيه إياها سماعًا من البخاري مرتين، إحداهما ببلده "فِرَبْرَ" سنة ٢٤٨ هـ، والثانية ببلد شيخه "بخارى" سنة ٢٥٢ هـ.

لقد بلغت عدة من روى الكتاب عن الفربري المئات، اشتهر بعضٌ منهم شهرةً خاصةً، فكانت نسخُهم هي العمدةَ لدى المتأخرين، وقد تولّى بيان ما بينها من فروق في الألفاظ الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - في شرحه العُجاب المسمَّى "فتح الباري".


(١) مقتبس من مقدمة "فتح الباري".

<<  <  ج: ص:  >  >>