جمع ذلك الكنز الفريد من الأحاديث النبوية، واختار من تلك المجموعة الأحاديث الصحاح، واحتاط في اختيارها، وأفردها في كتاب، وسمّاها "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه"، والذي اشتهر على مرّ الزمان باسم "الجامع الصحيح"، و "صحيح البخاري".
فقد أصبح الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - بذلك أكبر أعلام علماء الحديث حتى عُرِف بـ "أمير المؤمنين في الحديث" فانتهتْ إليه إمامته ورئاسته، واعترف أهل العلم والمعرفة بسبقه على المحدثين الآخرين، وتَلَقَّوا كتابه الجليل العظيم بالتقدير، واهتموا به اهتمامًا بالغًا، تدريسًا وشرحًا.
ولقد كان رحمه الله تعالى ورضي عنه من مدينة "بخارى"، وهي تقع في بلاد ما وراء النهر التي زخرت بظهور عَماليق من الرّجال في شتّى العلوم والمعرفة، وفي أعمال البطولة والقيادة.
وممَّن نَبَغوا في العهد الإسلامي الأول في هذه المنطقة صاحب "الجامع المختصر من السنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل" الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن سورة بن موسى بن ضحاك السلمي الترمذي (٢٠٩ - ٢٧٩ هـ). وممَّن نَبَغوا في هذا العهد المنير في المناطق الأخرى في بلاد خراسان وغيرها الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري صاحب الكتاب الصحيح من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - (٢٠٤ - ٢٦١ هـ)، والإمام الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني صاحب "السنن"(٢٠٢ - ٢٧٥ هـ)، والإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سِنان