إطباقهم على إغفاله مع جلالة شأنه وجلاء أمره. والجواب أن الأمر فيه خارج عما ذهبوا إليه؛ لأنه شيء طلبه قوم خاص من أهل مكة، وكان ذلك ليلًا، وأكثر الناس فيه نيام مستكِنُّون بالحُجب والأبنية، والأيقاظ البارزون في الصحاري لهم مشاغيل عن ذلك، وكيف ولم يكونوا رافعين رؤوسهم إلى السماء مترصدين مركز القمر من الفلك [لا يغفلون عنه] حتى إذا حدث بجرم القمر ما حدث من الانشقاق أبصروه، وكثيرًا ما يقع له الكسوف فلا يشعر به الناس حتى يخبرهم الآحاد منهم مع طول زمانه، وهذا إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر، ولو دامت هذه الآية حتى يشترك فيها العامة والخاصة ثم لم يؤمنوا لاستوصلوا بالهلاك، فإن من سنة اللّه تعالى في الأمم التي قبلنا أن نبيهم كان إذا أتى بآية عامة يدركها الحسّ فلم يؤمنوا هلكوا. وخصّ هذه الأمة بالرحمة، فجعل آية نبيهم -صلى الله عليه وسلم- عقلية.
قال العيني (١١/ ٣٧٠ - ٣٧١): وفي لفظ: فقال القوم: هذا سحر ابن أبي كبشة، فاسألوا السُّفّار يقدمون عليكمِ، فإن كان مثل ما رأيتم فقد صدق، وإلا فهو سحر. فقدِمَ السّفار فسَألوهم فقالوا: رأيناه قد انشق. ثم قال: ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول بأنه لو كان هذا لم يخف على أهل الأرض لأمرين: أحدهما: قد ذكرنا صحة قول السفار برؤية ذلك. والآخر: لم ينقل إلينا عن أهل الأرض أنهم رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشقّ، ولو نقل إلينا عمن لا يجوز نقله لشدتهم في الكذب لما كانت علينا حجة، إذ ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الأرض، فقد يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين، وقد يكون من قوم بضد ما هو (١) من مقابليهم من أقطار الأرض، أو يحول بين قوم وبينه سحاب أو جبال، ولهذا تحدث الكسوفات