للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ (١) بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ،

===

(١) قوله: (جيء) فإن قلت: الموت عرض فكيف يصح عليه المجيء والذبح؟ قلت: الله تعالى يجسده ويجسمه، أو هو على سبيل التمثيل للإشعار بالخلود، "ك" (٢٣/ ٤٨). قال القاضي أبو بكر بن العربي: استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل؛ لأن الموت عَرَض، والعرض لا ينقلب جسمأ فكيف يذبح؟ فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث، وتاولته طائفة فقالوا: هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة. وقالت طائفة: بل الذبح على حقيقته، والمذبوح متولي الموت. قلت: وارتضى هذا بعض المتأخرين، واستشهد له من حيث المعنى بأن ملك الموت لو استمرَّ حيًّا لنغص عيش [أهل] الجنة، وأيده بقوله في حديث الباب: "فيزداد … " إلخ، وتعقب بأن الجنة لا حزن فيها، وما وقع في رواية ابن حبان أنهم يطلعون خائفين إنما هو توهم لا يستقر، ولا يلزم من زيادة الفرح ثبوت الحزن، بل التعبير بالزيادة إشارة إلى أن الفرح لم يزل، كما أن أهل النار يزداد حزنهم ولم يكن عندهم فرح إلَّا مجرد التوهم الذي لم يستقر.

قال القرطبي في "التذكرة": الموت معنى، والمعنى لا ينقلب جوهرًا، وإنما يخلق الله أشخاصًا من ثواب الأعمال، وكذا الموت يخلق الله تعالى كبشًا يُسمِّيه الموت، ويلقي في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون ذبحه دليلًا على الخلود في الدارين، وقال غيره: لا مانع أن ينشئ الله من الأعراض أجسادًا يجعلها مادة لها كما ثبت في "صحيح مسلم ": "إن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان" ونحو ذلك من الأحاديث. قال القرطبي: وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة، كما قال تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: ٣٦]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: ٢٠]، فمن زعم أنهم يخرجون منها وأنها تبقى خالية

<<  <  ج: ص:  >  >>