للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذا كان معروفًا بالتحرّز من الكذب مشهورًا بالسلامة من خوارم المروءة موصوفًا بالديانة والعبادة، فقيل: يقبل مطلقًا، وقيل: يردّ مطلقًا. والثالث: التفصيل، بين أن يكون داعية لبدعته أو غير داعية؛ فيقبل غير الداعية ويُرَدّ حديث الداعية، وهذا المذهب هو الأعدل، وصار إليه طوائف من الأئمة، وادّعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظر.

ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك، وبعضهم زاد تفصيلًا، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يُشِيد بدعته ويُزَيِّنُه ويُحَسِّنه فلا يُقْبل، وإن لم يشتمل فيقبل.

وطرد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية، فقال: إن اشتملت روايته على ما يردّ به بدعته قُبل وإلا فلا، وعلى هذا إذا اشتملت رواية المبتدع - سواء كانت داعية أم لم تكن - على ما لا تعلق له ببدعته أصلًا هل تقبل مطلقًا أو ترد مطلقًا؟

مال أبو الفتح القشيري (١) إلى تفصيل آخر فيه، فقال: إن وافقه غيره فلا يُلتفت إليه إخمادًا لبدعته وإطفاءً لناره، وإن لم يوافقه أحد - ولم يوجد ذلك الحديث إلَّا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب، واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته -، فينبغي أن تقدم مصلحة تقديم ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته، والله أعلم.

واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعنُ في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد، فينبغي التنبّه لذلك وعدم الاعتداد به إلَّا بحق.


(١) "الاقتراح في بيان الاصطلاح" (ص: ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>