ثابتٍ، فيُخشَى عليه أن يدخلَ في زمرة "مَنْ روَى حديثًا وهو يظنّ أنه كذب. . . " وإنْ جَرَّحَ بغيرِ تحرّزٍ، فإنه أقدمَ على الطعنِ في مسلمٍ بريءٍ من ذلك، ووَسمَه بميسمِ سوءٍ يبقى عليه عارُه أبدًا، والآفةُ تَدْخلُ في هذا تارةً مِن الهوى، والغرضِ الفاسدِ، وكلامُ المُتَقَدِّمِينَ سالِمٌ مِنْ هذا غالبًا، وتارةً مِن المخالفةِ في العقائدِ". انتهى.
وإنَّ من عادةِ المبتدعة كما حثّهم بِشْر المريسي: "إذا احتجّوا عليكم بالقرآن فغالطوهم بالتأويل، وإذا احتجّوا بالأخبار فادفعوها بالتكذيبِ".
وهنا أُحِبُّ أن أشير إلى أمر مهمّ وهو أن بعضَ الناس يأخذونَ تصحيحَ بعضِ العلماء بدون النظرِ إلى أسبابِ تصحيحهم؛ فإنه قد يكون إسنادُ الحديثِ الواردُ عند أصحابِ الكتبِ، مثل: أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم ضعيفًا، ولكن في الحكم العام يكون حسنا، نظرًا لوجود الشواهد، فالأولى أن يقال في مثل هذا: هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولكن للحديث شواهد تُقوّيه.
وأمر آخر: قد يحكم الأئمةُ النقادُ مثل ابن المديني، وأحمد، والبخاري، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والذهبي وابن حجر وغيرهم على الحديث بالضعف، ولكن تساهل بعضُ الأئمة الآخرين مثل الترمذي وابن حبان والحاكم والمنذري والهيثمي وغيرهم، فصحّحوا الحديثَ أو حسّنوه، فينقل بعضُ الناس حكمَ هؤلاء المتساهلين، ويَغُضُّ الطرفَ عن حكم جهابذة هذا الفن، وهو منهج مخالف للمحدثين المحققين.
وبهذا عسى أنْ أكون قد حقّقتُ ما أردتُ من تأليف هذا "الجامع" الذي يجمع الأحاديث الصّحيحةَ والحسنةَ في جميع مجالات الحياة، لقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]، في ديوانٍ واحدٍ بعد ألفٍ وأربعمائة وست وثلاثين سنة، بعد أن كانت مفرقةً في كتب الحديث والفقه والتفسير وغيرها، وأُقدِّمُه هديّةً للمسلمين، لأنه لا مجدَ ولا عزّةَ لهذه الأمة إلا بتمسّكها بالكتاب والسنة، وفهمهما على فهم الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين من الفقهاء والمحدثين، ومن سلك مسلكهم إلى يومنا هذا، وإلى يوم الدين.
و"الجامع الكامل" هو امتداد للعمل بالسنة النبوية، والثروةُ الهائلة من كلام أهل العلم، هو شرح وتوضيح وتبسيط وتلخيص للسنة المطهرة، فلا غنى منها إذا