ونقل العقيلي في الضعفاء الكبير (١/ ٢١٥) عن البخاريّ قال: "ولا يصح، ولا يعرف إِلَّا مرسلًا".
قلت: وإن فيه أصحاب معاذ لا يعرفون.
قال الترمذيّ:"هذا حديث لا نعرفه إِلَّا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل".
وقال ابن حزم:"هذا حديث ساقط". وضعّفه أيضًا الدارقطنيّ، وعبد الحق الإشبيليّ، والذّهبيّ وغيرهم من جهابذة هذا الفن.
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(٢/ ٢٧٣): هذا حديث لا يصح، وإن كان الفقهاء كلّهم يذكرونه في كتبهم، ويعتمدون عليه، ولعمري إن كان معناه صحيحًا، إنّما ثبوته لا يُعرف، لأن الحارث بن عمرو مجهول، وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يعرفون، وما هذا طريقه فلا وجه لثبوته". انتهى كلامه.
قلت: وهو كما قالوا، وقد ثبت معنى هذا الحديث أيضًا عن عمر بن الخطّاب وغيره من الصّحابة ففي مصنف ابن أبي شيبة (٢٣٤٤٤) والنسائي (٥٣٩٩) كلاهما من حديث شريح أن عمر بن الخطّاب كتب إليه: "إذا جاءك شيء في كتاب الله فاقض به، ولا يلفتنَّك عنه الرجال، فإن جاءك أمر ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله وليس فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر ما اجتمع الناس عليه فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، ولم يكن فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أي الأمرين شئت: إن شئت أن تجتهد برأيك وتقدم فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر، ولا أرى التأخر إِلَّا خيرًا لك. انتهى، واللّفظ لابن شيبة.
ولفظ النسائي: عن شريح أنه كتب إلى عمر يسأله فكتب إليه: أن اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقض به الصالحون فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر ولا أرى التأخر إِلَّا خيرًا لك. والسّلام عليكم. وإسناده صحيح. وفي سير الصّحابة آثار أخرى مثله.
وقوله:"أجتهد رأيي ولا آلو": أي أجتهد للبلوغ إلى الحق، ولا أقصر فيه إذا لم أجد نصًا من الكتاب والسنة، وقد جوَّز النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم للحاكم أن يجتهد، وجعل له على إصابته أجرين، وعلى خطته أجرًا واحدًا. وبالله التوفيق.
[١٧ - باب الحفاظ على حقوق الأيتام والنساء]
• عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إني أحرّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة". وفي رواية:"مال الضعيفين".
حسن: رواه ابن ماجة (٣٦٧٨) وصحّحه ابن حبَّان (٥٥٦٥) والحاكم (١/ ٦٣، ٤/ ١٢٨)