وعلي وعمار وابن مسعود وغيرهم، ومن جماعة من التابعين ومن بعدهم، وبه قال الإمام الشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، وأصحاب مالك، بل قال أهل الظاهر: إنهما واجبتان.
وذهب مالك إلى أنه يُسلم تسليمةً واحدة، واستدل المالكية على كفاية التسليمة الواحدة بعمل أهل المدينة، وهو عمل توارثوه كابرًا عن كابر.
قال ابن عبد البر: "والقول عندي في التسليمة الواحدة، وفي التسليمتين أن ذلك كله صحيح بنقل من لا يجوز عليهم السهر، ولا الغلط في مثل ذلك، معمول به عملًا مستفيضًا بالحجاز التسليمة الواحدة. وبالعراق التسليمتان، وهذا مما يصح به الاحتجاج بالعمل لتواتر النقل كافة عن كافة في ذلك. ومثله لا ينسى، ولا مدخل فيه للوهم، لأنه مما يتكرر به العمل في كل يوم مرات، فصحَّ أن ذلك من المباح والسعة والتخيير" "التمهيد" (١٦/ ١٩٠).
قلت: وقد تقرر في الأصول بأن عمل أهل المدينة ليس بحجة، ولذا قال الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهذه طريقة قد خالفهم فيها سائر الفقهاء، والصواب معهم، والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدفع ولا ترد بعمل أهل بلد كائنًا من كان" "زاد المعاد" (١/ ٢٦١).
وذكر كثير من أهل العلم أن الأحاديث الواردة في التسليمة الواحدة غير ثابتة، ولكن الصواب أن الأحاديث الواردة في التسليمتين أرجح من التسليمة الواحدة، ولذا جعله البيهقي من الاختلاف المباح (٢/ ٢٥٥).
ورأى بعض أهل العلم أن التسليمة الواحدة كانت في صلاة الليل.
وأما الواجب فهو تسليمة واحدة، والثانية مستحبة. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة.
وقال بعض الحنابلة: الثانية أيضًا واجبة، ولكن لم يرد نصٌّ عن الإمام أحمد بوجوب التسليمتين، وإنما قال: التسليمتان أصحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن قدامة: وهذا الخلاف في الصّلاة المفروضة، وأما صلاة الجنازة والنافلة وسجود التلاوة فلا خلاف في أنه يخرج منها بتسليمة واحدة.
[١٤ - باب ما جاء في تسليمة واحدة]
• عن عائشة أنها سُئلتْ عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: كان يصلي ثمان ركعات يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب، وما شاء من القرآن، فلا يقعدُ في شيء منهن إلا في الثامنة، فإنه يقعدُ فيها، فيتشهد، ثم يقوم ولا يُسلم. فيصلي ركعة واحدة ثم يجلسُ فيتشهد ويدعو، ثم يسلم تسليمة واحدة: "السلام عليكم" يرفع بها صوته حتى يُوقِظنا.