قال الشعبي: إنها نزلت - يعني: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} الآيتين في أناس كانوا بمكة أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة: إنه لا يقبل منكم إقرار بالإسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة، فاتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم: إنه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه؛ قال: فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ثَمَّ، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[النحل: ١١٠].
رواه الطبري في تفسيره (١٨/ ٣٥٨)، والواحدي في أسباب النزول (ص ٣٥٥).
وقال مقاتل: نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، رماه عمرو بن الحضرمي بسهمٍ فقتله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ: سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يُدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبرهم أنه لابد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله. ذكره الواحدي واللفظ له. وقيل: نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يُعذّب في الله، وقيل غير ذلك إلا أنه لم يثبت بإسناد صحيح.
• عن مصعب بن سعد، عن أبيه أنه نزلت فيه آيات من القرآن، قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل، ولا تشرب. قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثا حتى غُشِيَ عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له: عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}[العنكبوت: ٨]{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي}[لقمان: ١٥] وفيها {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان: ١٥].