لأنه رواه الترمذيّ (٩٤٦) من وجه آخر عنه، قال: سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حجّ هذا البيت او اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت". وليس فيه ذكر للحيض. إلّا أنه ضعيف فيه الحجاج بن أرطأة ضعيف.
قال الترمذيّ: "حديث الحارث بن عبد الله بن أوس، حديث غريب. وهكذا روى غير واحد عن الحجاج بن أرطاة مثل هذا، وقد خولف الحجاج في بعض هذا الإسناد" انتهى.
وفيه أيضًا عبد الرحمن بن البيلمانيّ مولى عمر ضعيف.
وهذا العام مخصّص بحديث عائشة وابن عباس وغيرهما.
وأمّا عمر بن الخطاب فلعلّه لم تبلغه هذه السنة كما لم تبلغ ابنه عبد الله أيضًا، ثم بلغته فرجع عنها ورخّص للحيّض إذا طفن الإفاضة أن ينفرن.
وأمّا دعوى الطّحاويّ وغيره النّسخ فهو بعيد؛ لأنّ النّسخ لا يثبت إلا بثبوت المنسوخ، ولم يثبت أبدًا أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر الحيّض بطواف الوداع، فبطل قوله بالنّسخ.
١٣٢ - باب ما جاء في الحجّ الأكبر بأنهّ يوم النّحر
قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [سورة التوبة: ٣].
• عن أبي هريرة، قال: بعثني أبو بكر -رضي الله عنه- فيمن يؤذّن يوم النّحر بمنى: "لا يحجّ العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان". ويوم الحجّ الأكبر يوم النّحر، وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس: الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى النّاس في ذلك العام، فلم يحجّ عام حجّة الوداع الذي حجّ فيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مشرك.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الجزية (٣١٧٧) عن أبي اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهريّ، أخبرنا حُميد بن عبد الرحمن، أنّ أبا هريرة قال (فذكره).
ورواه الشيخان -البخاري في التفسير (٤٦٥٧)، ومسلم في الحج (١٣٤٧) - من وجهين آخرين عن ابن شهاب الزهري. وفيه التصريح من حُميد بن عبد الرحمن: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة.
وهذا يشعر بأنّ قوله: "يوم النّحر يوم الحجّ الأكبر" مدرج من قول حُميد بن عبد الرحمن. ولكن رواه أبو داود (١٩٤٦) من طريق شعيب بإسناده، فزاد في آخره: ويوم الحجّ الأكبر يوم النّحر، والأكبر الحج" مشعر بأنه مرفوع.
والصّحيح أنه مدرج كما في الصحيحين من التصريح من حميد بن عبد الرحمن، وهو الذي رجّحه أيضًا الحافظ ابن حجر في "فتحه" (٨/ ٣٢١) فقال: "وقوله: "ويوم الحج الأكبر يوم النّحر" هو قول حميد بن عبد الرحمن استنبطه من قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ