وما رواه أبو داود (٢٣٣٠) من طريق الأوزاعي أنه قال: "سره أوله" فهو غلط كما قال الخطابي، وقال:"والصحيح أن سره آخره هكذا حدّثنا أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، حدّثنا محمود بن خالد الدمشقي، عن الوليد، عن الأوزاعي، قال: "سره: آخره". وهذا هو الصواب. وفيه لغات يقال: سِر الشهر، وسرر الشهر، وسراره. وسمي آخر الشّهر سرًا لاستسرار القمر فيه" انتهي.
وهذا الذي صوبه أيضًا البيهقي (٤/ ٢١١) وقال: وأراد به اليوم واليومين اللذين يستر فيهما القمر قبل يوم الشك، وأراد به صيام آخر الشهر مع يوم الشك إذا وافق ذلك عادته في صوم آخر كل شهر. وقيل: أراد بسره وسطه، وسر كلّ شيء جوفه. فعلى هذا أراد أيام البيض" انتهى.
وقيل: ولعلّ سبب ذلك أنه كان يعتاد صوم آخره، أو نذره، فتركه لظاهر النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فبيّن أن المعتاد أو المنذور ليس بمنهي عنه.
وللحديث تأويلات أخرى ذكرها الحافظ في "الفتح" (٤/ ٢٣١ - ٢٣٢) فراجعه، والذي أرتضي من هذه التأويلات هو ما ذكرته من أن المراد من سره آخره، والمنهي عنه تقدم يوم أو يومين بدون أن يكون معتادا أو منذورا، ولعل كان ذلك قبل فرضية رمضان، ثم صار بعدها تطوعا للمعتاد والمنذور.
وفي معناه ما رُوي عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صوموا الشهر وسره".
رواه أبو داود (٢٣٢٩) عن إبراهيم بن العلاء الزبيدي من كتابه، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثنا عبد الله بن العلاء، عن أبي الأزهر -المغيرة بن فروة- قال: قام معاوية في الناس بدَيْر مِسْحل الذي على باب حمص، فقال: أيها الناس، إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا، وأنا متقدم بالصيام، فمن أحب أن يفعله فليفعل. قال: فقام إليه مالك بن هبيرة السبتي، فقال: يا معاوية، أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء من رأيك؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (فذكر الحديث).
وأبو الأزهر -المغيرة بن فروة الثقفي- الدمشقي غير مشهور في طلب العلم ولم يوثقه غير ابن حبان، ولذا قال الحافظ: "مقبول" أي إذا تُوبع، وإلا فلين الحديث. وفيه الوليد بن مسلم وهو مدلس فإنه كان يدلس تدليس التسوية، ولكنه صرَّح، ويكفي عند الجمهور تصريحه في أول الإسناد ولو صرّح في جميع الطبقات لكان أولي.
١٧ - باب من كره الصوم من النّصف الثاني من شعبان لحال رمضان
• عن عبد العزيز بن محمد، قال: قدم عباد بن كثير المدينة، فمال إلى مجلس العلاء، فأخذ بيده فأقامه ثم قال: اللهم! إنّ هذا يحدّث عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا". فقال العلاء: اللهم! إنّ