وله شاهد آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: احتفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق، وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع فلمّا رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"هل دللتم على أحد يطعمنا أكلة" قال رجل: نعم، قال:"أما لا فتقدم فدلنا عليه" فانطلقوا إلى رجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه فيه، فأرسلت امرأته أن جيء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أتانا فجاء الرّجل يسعى.
فقال: بأبي وأمي، وله معزة ومعها جديها فوثب إليها، فقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "الجدي من ورائنا" فذبح الجدي، وعمدت امرأته إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت، وأدركت وتردت، فقربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فوضع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أصبعه فيها فقال:"بسم الله، اللهم بارك فيها، اللهم بارك فيها، اطعموا" فأكلوا منها حتَّى صدروا، ولم يأكلوا إِلَّا ثلثها وبقي ثلثاها، فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا، وسرحوا إلينا نغديكم فذهبوا وجاء أولئك العشرة مكانه، فأكلوا منها حتَّى شبعوا، ثمّ قام ودعا لربة البيت وسمت عليها وعلى أهلها، ثمّ مشوا إلى الخندق فقالوا: اذهبوا بنا إلى سلمان، وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها، فقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه:"دعوني فأكون أول من ضربها فقال بسم الله" فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال: "الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة" ثمّ ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال: "الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة" فقال عندها المنافقون: نحن بخندق وهو يعدنا قصور فارس والروم.
رواه الطبرانيّ في الكبير (١١/ ٣٧٦) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، حَدَّثَنِي سعيد بن محمد الجرمي، ثنا أبو ثميلة، ثنا نعيم بن سعيد العبدي، أن عكرمة حدث عن ابن عباس فذكره.
قال الهيثميّ في "المجمع"(٦/ ١٣٢): "رجاله رجال الصَّحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل ونعيم العبدي وهما ثقتان".
كذا قال: ولم أقف على ترجمة نعيم بن سعيد العبدي فإنه ليس من رجال التقريب، ولا من رجال التعجيل، ولم يترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" وابن حبَّان في ثقاته، فتأكد منه.
وأمّا ما رُوي عن سهل بن سعد الساعدي قال: كنت مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بالخندق، فأخذ الكرزين فضربه، فصادف حجرًا، فضحك، قيل: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال:"ضحكت من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق في النكول يساقون إلى الجنّة". فهو ضعيف.
رواه أحمد (٢٢٨٦١) والطَّبرانيّ (٥٧٣٣) كلاهما من طريق الفضيل بن سليمان، حَدَّثَنَا محمد بن أبي يحيى، عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه فذكره.
والفضيل بن سليمان هو النميري البصري ضعيف باتفاق أهل العلم، ومع هذا ذكره ابن حبَّان في الثّقات (٧/ ٣١٦) وأخرج له البخاريّ متابعة.
١١ - باب حراسة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق
• عن عائشة قالت: أرق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقال: "ليت رجل صالح من أصحابي