٦٠ - باب قوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣)}
أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بالإيمان باللَّه ورسوله وطاعتهما. ومن تلكم الأماني المجردة عن الإيمان والعمل، أماني أهل الكتاب قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [سورة البقرة: ١١١] وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [سورة المائدة: ١٨].
وروي عن ابن عباس قوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} إلى قوله {وَلَا نَصِيرًا} تخاصم أهل الأديان، فقال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب، أنزل قبل كتابكم، ونبينا خير الأنبياء. وقال أهل الإنجيل مثل ذلك. وقال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام، كتابنا نسخ كل كتاب، ونبينا خاتم الأنبياء، وأُمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم، ونعمل بكتابنا فقضى اللَّه بينهم فقال: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ}. الآية.
وخيَّر بين أهل الأديان ففال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥)} [سورة النساء: ١٢٥].
رواه ابن جرير الطبري (٧/ ٥١٠)، وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون. وروي نحوه عن مسروق والضحاك، والسدي وغيرهم.
ومعنى الآية: إنّ الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني. وليس كل من ادّعى شيئًا، حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال: إنّه هو المحق. سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من اللَّه برهان.
وقوله: عام لكل معصية صغيرة كانت أو كبيرة من المسلمين أو من الكفار، ولكن جاء التخصيص في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [سورة النساء: ١١٦] فما بقي إلّا الشرك، فمن يشرك باللَّه، ولم يتب منه فإنّه يجز بشركه.
وروي عن ابن عباس قوله: من يشرك يجز به وهو السوء، ولا يجد له من دون اللَّه وليا ولا نصيرا، إلّا أن يتوب قبل موته فيتوب اللَّه عليه.
رواه ابن جرير الطبري وغيره بإسناد حسن.
٦١ - باب قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥)}
يعني أخلص العمل لربه عزّ وجل، وعمل بما شرع اللَّه على لسان رسوله، واتبع الدين الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام؛ لأنّ اللَّه اتخذ إبراهيم خليلا، أي وليا فلا يقبل بعد كل هذا إلّا الإسلام الذي هو الحنيفية.