قلت: ولكن فيه عبد الرحمن بن قيس لم يرو عنه إلا أبو عميس، ولذا قيل فيه إنه "مجهول". وقال ابن حجر في التقريب:"مقبول" أي عند المتابعة.
وقد توبع متابعة قاصرة، رواه الترمذي (١٢٧٠) عن قتيبة، حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اختلف البيعان فالقول فول البائع، والمبتاع بالخيار".
قال الترمذي:"هذا حديث مرسل، عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود".
قلت: وللحديث أسانيد أخرى ذكرتها في "المنة الكبرى"(٥/ ١٥٠).
والخلاصة فيه أن حديث ابن مسعود لا يثبت بوجه من الوجوه، ولكن ضعفه ليس بشديد، فإن بعض طرقه يقوي البعض، ولذا يصح الاستدلال به؛ لأنه أولى من أقوال الرجال.
قال الخطابي في معالمه:"هذا الحديث قد اصطلح عليه الفقهاء على قبوله، وذلك يدل على أن له أصلا، وإن كان في إسناده مقالا، كما اصطلحوا على قبول: "لا وصية لوارث". وإسناده فيه ما فيه".
وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح"(٤/ ٧٥) بعد أن أخرجه من وجوه كثيرة هو وابن الجوزي:
"والذي يظهر أن حديث ابن مسعود في هذا الباب بمجموع طرقه له أصل، بل هو حديث حسن يحتج به، لكن في لفظه اختلاف، كما ترى".
وظاهر الحديث يدل على أن البائع والمشتري إذا اختلفا في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد، فالقول قول البائع، أو يخير المشتري بين أخذ السلعة بالثمن الذي يقوله البائع وبين تركهـ. وأما الفقهاء فاختلفوا فيه اختلافا كثيرا، ذكرت ذلك بالتفصيل في "المنة الكبرى"، فراجعه.
[٣٤ - باب بيع المزايدة]
روي عن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله فقال:"أما في بيتك شيء؟ " قال: بلى، جلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء. قال:"ائتني بهما" قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال:"من يشتري هذين؟ " قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال:"من يزيد على درهم؟ " مرتين أو ثلاثا. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال:"اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به" فأتاه به، فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودا بيده، ثم قال له:"اذهب فاحتطب، وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما". فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا خير لك أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا نصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع".