استدل بعض أهل العلم بقول ابن عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء بأنَّ الجمع لا يجوز في السفر وهو نازل مقيم غير سائر إلَّا في عرفة لأجل اتصال الوقوف، وإنَّما شرع الجمع إذا جدَّ به السير لتخفيف المشقَّة.
وتعقبه ابن المنذر فقال:"ولعلَّ بعض من لم يتسع في العلم يحسب أن الجمع بين الصلاتين في السفر لا يجوز إلَّا في الحال التي يَجِدُّ بالمسافر السيرُ، وليس ذلك كذلك، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه جمع بين الظهر والعصر، وهو نازل غير سائر، ثم أخرج حديث معاذ بن جبل من طريق هشام، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فكان لا يروح حتى يبرد، ويجمع بين الظهر والعصر، فإذا أمسى جمع بين المغرب والعشاء.
فقال: فدلَّ قوله: فكان لا يروح على أنه جمع بينهما، وهو نازل غير سائر، ثم استدل بحديث مالك: فأخر الصلاة يومًا ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا يدل على أنَّه جمع بين الصلاتين، وهو نازل غير سائر. وليس هذا خلافًا للذي ذكره ابن عمر، لأنَّ الجمع بينهما جائز نازلًا وسائرًا. حكى ابن عمر ما رأى من فعله، وذكر معاذ ما فعل، فأخبر كل واحد منهما ما رأى، فالجمع بين الصلاتين في السفر جائز نازلًا وسائرًا كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نهى عن الجمع بين الصلاتين في السفر في حال دون حال، فيوقف عن الجمع بينهما لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى. "الأوسط" (٢/ ٤٢٠).
وقلت في "المنة الكبرى" (٢/ ١٤٣): "والقيد في حديث ابن عمر وأنس بن مالك لمن جدَّ به السير للغالب، وليس شرطًا في الجمع، لما نرى إطلاق الأمر في أحاديث الجمع" انتهى.
[٩ - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر]
• عن عبد الله بن عباس أنَّه قال: صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا في غير خوف ولا سفر.
قال مالك: أرى ذلك كان في مطرٍ.
متفق عليه: رواه مالك في قصر الصلاة في السفر (٤) عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين (٧٠٥) عن يحيى بن يحيى، قال: قرات على مالك به مثله.
قال أبو الزبير: فسألت سعيدًا: لِم فعل ذلك؟ فقال: سأل ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يُحرج أحدًا من أمّته.
ورواه الشيخان: البخاري في مواقيت الصلاة (٥٤٣)، ومسلم (٧٠٥/ ٥٦) من حديث حماد بن