ابن سعيد، حدّثنا سفيان، عن ابن المنكدر، حدثه عن عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته فقالت: فذكرته، ولفظهما سواء.
٥ - باب قوله: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦)}
عمران: هو والد مريم، وكان اسم والد موسى وهارون أيضًا عمران، فلعله سمى به تيمّنا، كما أن امرأة عمران سمّت المولودة باسم مريم تيمّنا بتسمية أخت موسى وهارون.
قوله: {مُحَرَّرًا} أي: مخلصا ومفرغا للعبادة، ولخدمة بيت المقدس.
وقوله: إخبارا عن أم مريم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} فاستجاب اللَّه دعاءها كما جاء في الحديث الصحيح:
• عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من مولود إلا والشيطان يمسُّه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها" ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
متفق عليه: رواه البخاريّ في التفسير (٤٥٤٨) ومسلم في الفضائل (٢٣٦٦) كلاهما من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكره، واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم نحوه.
قوله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} هذه الجملة معترضة، أخبر اللَّه فيها بأنه لا يحتاج إلى إعلامها ولا إعلام أحد، بل هو سبحانه يعلم بأن المولودة تكون أنثى قبل أن تعلمها أمها وقبل أن تضعها، ويعلم أن هذه الأنثى أحسن من الذكر الذي كانت ترغب فيه امرأة عمران لكونه أقوى وأقدر وأنسب لخدمة بيت المقدس، وقد كانتْ نذرتْ للَّه أن ما في بطنها يكون محرّرا لذلك.
فهذه المولودة أفضل من ذلك الذكر لأنها ستكون أُمًّا لنبيٍّ عظيم، وتكون من سيدات نساء الجنة، فهذا الكلام من اللَّه عز وجل، وليس من امرأة عمران تحسُّرا على وضعها الأنثى.
٦ - باب قوله: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧)}
قوله: {نَبَاتًا حَسَنًا} أي: في بدنها وخلقها.
وقوله: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} لا لفقرها كما يقال، بل لأن زكريا عليه السلام كان إمام بيت المقدس، فصار كفيلا لها ومسئولا عنها، ثم هو زوج خالتها.