وقد استشكل الناس قول أبي هريرة بأن من أصبح جنبا فلا صوم له، وكان يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغه حديث عائشة وأمّ سلمة، فقال: هما أعلم بذلك، إنما أخبرنيه الفضل بن العباس - يعني وقع فيه النسخ، فإن حديث الفضل بن العباس كان متقدمًا على حديث عائشة وأم سلمة.
وهو أحسن تأويل كما قال الخطابي، وهذا لفظه: "تكلّم الناسُ في معنى ذلك فأحسن ما سمعتُ في تأويل ما رواه أبو هريرة في هذا أن يكون ذلك محمولًا على النسخ، وذلك أن الجماع كان في أول الإسلام محرمًا على القائم في الليل بعد النوم، كالطعام والشراب، فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر، جاز لتجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم ذلك اليوم، لارتفاع الحظر المتقدم، فيكون تأويل قوله: "من أصبح جنبًا فلا يصوم" أي من جامع في الصوم بعد النوم فلا يجزئه صوم غده، لأنه لا يصبح جنبًا إلا وله أن يطأ قبل الفجر بطرفة عين، فكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل بن العباس على الأمر الأول، ولم يعلم بالنسخ، فلما سمع خبر عائشة وأم سلمة صار إليه.
وقد رُوي عن ابن المسيب أنه قال: "رجع أبو هريرة عن فتياه فيمن أصبح جنبًا أنه لا صوم له".
قال الخطابي: "وقد يتأول ذلك أيضًا على وجه آخر من حيث لا يقع فيه النسخ، وهو أن يكون معناه: من أصبح مجامعًا فلا صوم له. والشيء قد يسمي باسم غيره، إذا كان ماله في العاقبة إليه" انتهى كلام الخطابي.
١٠ - باب ما جاء أنّ الحجامة تُفطر الحاجم والمحجوم
• عن رافع بن خديج، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفطر الحاجم والمحجوم".
حسن: رواه الترمذي (٧٧٤) عن محمد بن يحيى، ومحمد بن رافع النيسابوري، ومحمود بن غيلان، ويحيى بن موسي، قالوا: حدّثنا عبد الرزاق -وهو في مصنفه (٧٥٢٣) - عن معمر، عن يحيى ابن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، عن السائب بن يزيد، عن رافع بن خديج، فذكره.
قال الترمذي: "حسن صحيح. وذُكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج".
ورواه أيضًا الإمام أحمد (١٥٨٢٨)، وصححه ابن خزيمة (١٩٦٤)، وابن حبان (٣٥٣٥)، والحاكم (١/ ٤٢٨)، والبيهقي (٤/ ٢٦٥) كلّهم من حديث عبد الرزاق، به، مثله.
قال ابن خزيمة: سمعت العباس بن عبد العظيم العنبري يقول: سمعت علي بن عبد الله المديني يقول: لا أعلم في "أفطر الحاجم والمحجوم" حديثًا أصح من ذا.
وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
قلت: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ من رجال مسلم وحده.