ذهب بعض أهل الظاهر إلى أنَّ الصّوم في السّفر منسوخ؛ لأنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أفطر، وكان ذلك آخر الأمرين، وكان الصّحابة يأخذون بالآخر فالآخر من فعله - صلى الله عليه وسلم -.
واحتجوا أيضًا بقوله تعالي: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي إن صامه لم يجزئه، بل عليه قضاؤه إذا رجع إلى أهله.
ونقل الحافظ في "الفتح" (٤/ ٦٩٦): وحكي ذلك أيضًا عن عمر، وابن عمر، وأبي هريرة، والزهريّ، وإبراهيم النخعي وغيرهم.
ورد الجمهور على قولهم هذا بأنَّ المريض لو صام أجزأ صومه بالاتفاق، ومعنى الآية: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي إن أفطر.
وقالوا: قول الراوي: "وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث" لا يدل على النسخ إذ ليس فيه إنَّ الفطر في السفر ناسخ لإباحة الصوم في السفر بحجّة أن ابن عباس نفسه كان يقول: "فمن شاء صام، ومن شاء أفطر" وهو حديث صحيح كما سيأتي. فلم يجعل ابن عباس إفطار النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في السفر بعد صيامه فيه ناسخًا للصوم في السفر، بل جعله على جهة اليسر لمن يشق عليه الصوم في السفر.
وفي حديث أبي سعيد الخدريّ دلالة واضحة في عدم النسخ في قوله: "لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر". وذلك بعد أن أفطروا في فتح مكة، وهو الآتي في الباب الذي يليه.
وأمّا ما رُوي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا: "صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر" فهو ضعيف.
رواه ابن ماجه (١٦٦٦) من حديث أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف، فذكره.
قال البوصيري: "هذا إسناد ضعيف منقطع، أسامة بن زيد هو ابن أسلم ضعيف، وأبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئًا. قاله ابن معين والبخاري".
[١٦ - باب ما جاء أن المسافر يفطر في بيته قبل أن يخرج]
• عن محمد بن كعب أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا، وقد رُحلتْ له راحلته، ولبس ثياب السّفر، فدعا بطعام فأكل. فقلت له: سنّة؟ قال: سنّة، ثمّ ركب.
حسن: رواه الترمذيّ (٧٩٩) عن قُتَيبة، حَدَّثَنَا عبد الله بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن محمد ابن المنكدر، عن محمد بن كعب، قال (فذكره).
ورواه الترمذيّ أيضًا عن محمد بن إسماعيل، حَدَّثَنَا سعيد بن أبي مريم، حَدَّثَنَا محمد بن جعفر، قال: حَدَّثَنِي زيد بن أسلم، قال: حَدَّثَنِي محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب، فذكر نحوه.