خرورهم خرور الأصم والأعمى من غير فهم لها ولا تدبر فيها.
وقد سئل الشعبي، فقيل له: الرجل يرى القوم سجودا ولم يسمع ما سجدوا، أيسجد معهم؟ . فتلا هذه الآية:{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} يعني: أنه لا يسجد معهم؛ لأنه لم يتدبر آية السجدة.
وله وجه آخر من التفسير، فقوله تعالى:{لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} أي: لم يكونوا مثل الكفار الذين أعمى الله بصيرتهم، وأصم آذانهم عن قبول الحق، بل المؤمنون يسارعون إلى التصديق والإيمان به كما قال الله تعالى:{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[سورة السجدة: ١٥].
• عن جبير بن نفير قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما، فمر به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيتَ، وشهدنا ما شهدتَ، فاستغضب، فجعلت أعجب، ما قال إلا خيرا، ثم أقبل إليه، فقال: ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضرا غيّبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه، والله لقد حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوام كبّهم الله على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه، ولم يصدّقوه، أولا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم، مصدقين لما جاء به نبيكم، قد كفيتم البلاء بغيركم، والله لقد بعث الله النبي - صلى الله عليه وسلم - على أشدّ حال بُعِث عليها فيه نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية، ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرّق به بين الحق والباطل، وفرّق بين الوالد وولده، حتى إن كان الرجل ليرى والده وولده أو أخاه كافرا، وقد فتح الله قُفْل قلبه للإيمان، يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقرّ عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وإنها للّتي قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}.
صحيح: رواه أحمد (٢٣٨١٠)، والبخاري في الأدب المفرد (٨٧)، وابن حبان (٦٥٥٢) كلهم من طريق عبد الله بن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو، قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قال: فذكره.
وإسناده صحيح، وصحّحه أيضا الحافظ ابن كثير في تفسيره.