والصحيح في هذا أن الله أمر إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت على الطهارة للطواف، والاعتكاف، والركوع، والسجود لله وحده بخلاف ما كان الناس في عهده في العراق، والشام، ومصر وغيرها من البلدان ابتلوا بالشرك وعبادة الأصنام، وأما القول بأن مكة كان ماهولة بالسكان قبل إبراهيم، وأنهم ابتلوا بالشرك فيحتاج إلى دليل واضح من الكتاب والسنة الصحيحة، ولا دليل عليه.
قوله:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} أي من أولاده مثل الأنبياء والمؤمنين بهم، وآخرهم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ومن آمن به، فهؤلاء كلهم على ملة إبراهيم سواء كانوا من نسله أو من غير نسله.
وقوله:{وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولو كانوا من نسلي فأنا أتبرأ منهم، وأفوّض أمرهم إلى رحمتك وغفرانك، وليس المقصود منه الدعاء بالمغفرة لمن عصى، فإنه لا يدعو لهم، وهذا يدل على حلمه وصبره فلم يدع عليهم بالهلاك والاستئصال، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - على هديه كما جاء في الصحيح:
• عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله عز وجل في إبراهيم {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الآية. وقال عيسى عليه السلام:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[سورة المائدة: ١١٨] فرفع يديه، وقال:"اللهم أمتي أمتي". وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل! اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال، وهو أعلم. فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوءك".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (٢٠٢) عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكره.