٢٩ - باب قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)}
قوله: {الْبَحْرِ} أطلق الخاص وأريد به العام، والمراد منه جميع المياه بحرا كان أو نهرا، أو واديا فإن حكم الصيد لا يختلف باختلاف التسمية.
وقوله: {صَيْدُ الْبَحْرِ} هو ما اصطاده انسان.
وقوله: {وَطَعَامُهُ} هو ما قذفه الماء إلى الساحل ميتا. وقد جاء في الصحيح:
• عن جابر بن عبد اللَّه يقول: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث مائة راكب، أميرنا أبو عبيدة ابن الجراح نرصد عير قريش. فأقمنا بالساحل نصف شهر، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط. فسمي ذلك الجيش جيش الخبط. فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، وادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا، فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه، فنصبه فعمد إلى أطول رجل معه.
قال سفيان مرة: ضلعا من أضلاعه فنصبه وأخذ رجلًا وبعيرا فمر تحته، قال جابر: وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه.
متفق عليه: رواه البخاريّ في المغازي (٤٣٦١)، ومسلم في الصيد (١٩٣٥: ١٨) كلاهما من حديث سفيان قال: الذي حفظنا من عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه فذكره واللفظ للبخاري.
وروي عن أبي بكر الصديق قال: "كل دابة في البحر قد ذبحها اللَّه فكلها".
ولذا أباح جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم الطافي من السمك. وكرهه أبو حنيفة وأصحابه.
٣٠ - باب قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)}
• عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: "سَلُونِي لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ". فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِك الْقَوْمُ أَرَمُّوا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ. قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِى ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، كَانَ يُلَاحَى، فَيُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ. فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ". ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ