للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك ذكرتُ أحيانًا أحاديثَ المتروكين والمتهمين لبيان حالها فقط.

[٩ - الاعتماد على تصحيح الأئمة المتقدمين]

إذا صحّح الحديثَ الأئمةُ الأولون المعتبرون الذين هم القدوة في هذا الفن فلا أشتغل في تضعيفه وتأويله وتنسيخه؛ لأن التصحيح يقتضي انتفاء جميع موانع الضعف مثل الإرسال، والانقطاع، والإعضال في الإسناد، والضعف في الرجال، والنكارة والشذوذ والاضطراب والنسخ في المتن؛ فإن الاشتغال فيه يؤدّي إلى تضعيف عدد كبير من الأحاديث الصحيحة، إلا أن يكون الإمام موصوفا بالتساهل في التصحيح مثل الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم، فلا بأس بمخالفتهم إذا ظهرت العلة، بخلاف إذا ضعّفوا الحديث فلا بأس بالاشتغال به لازالة العلة التي أعلّوا بها، وفي الجامع الكامل أمثلة كثيرة من هذا النوع، وأذكر هنا مثالًا واحدًا.

قال إسحاق بن هانئ: قال لي أبو عبد اللَّه -يعني أحمد بن حنبل- قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد اللَّه يعني ابن عمر أخطأ إلا في حديث واحد لنافع عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم قال: "لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام. . . " الحديث، قال أبو عبد اللَّه: "فأنكره يحيى بن سعيد عليه! ".

قال أبو عبد اللَّه فقال لي يحيى بن سعيد: "فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن نافع عن ابن عمر مثله".

قال أبو عبد اللَّه: "لم يسمعه إلا من عبيد اللَّه، فلما بلغه عن العمري صحّحه".

قال ابن رجب: وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر (١).


(١) شرح علل الترمذي (١/ ٤٥٣ - ٤٥٤)، وحديث عبد اللَّه بن عمر متفق عليه: رواه البخاري في تقصير الصلاة (١٠٨٧)، ومسلم في الحج (١٣٣٨) كلاهما من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد اللَّه بإسناده، كما أن البخاري رواه أيضًا من طريق أبي أسامة وابن المبارك كلاهما عن عبيد اللَّه بإسناده.
فزالت العلة التي أعلّ بها ابن القطان بمجيء الحديث من وجه آخر عن نافع. فقال: فوجدته قد حدّث به العمري الصغير عن نافع، عن ابن عمر مثله.
والعمري الصغير هو: عبد اللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وكان ضعيفا في الحديث، وكان أصغر سنًّا من أخيه عبد اللَّه، ولكن متابعة أخيه الأكبر له تقوّيه. وقد وجدتُّ له متابعا آخر وهو ما رواه مسلم من طريق الضحاك ابن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر. فذكر نحوه. فاعلّه يحيى بن سعيد القطان أولا لتفرد عبيد اللَّه عن نافع، فلما وقف على متابع له صحّحه، كذلك هذا العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>