سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تختلف كثيرًا عن أحاديث العقيدة والأحكام إلا فيما يتعلق بذكر الأيام والأماكن والأشخاص والتفاصيل الأخرى لأيامه - صلى الله عليه وسلم - وغزواته، فلا بُدَّ من سرد هذه المعلومات ولو لم تصح لاستكمال التاريخ بخلاف الأحاديث الواردة فيها التي لها علاقة بالأحكام والعقيدة.
وقد قيّم العلماء جهود محمد بن إسحاق، والواقدي، وابن سعد في كتابة السيرة النبوية فقالوا: كان محمد بن إسحاق (ت ١٥١ هـ) من كبار أصحاب الزهري، وإماما في المغازي.
سئل الإمام أحمد عن محمد بن إسحاق فقال: هو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث - كأنه يعني المغازي ونحوها -. ذكره البيهقي في مقدمة دلائل النبوة (١/ ٣٧).
قلت: محمد بن إسحاق يُحسن حديثه في الأخبار والمغازي ولو انفرد به، بخلاف الأحكام فإنه يُنظر فيه ولو صرّح بالتحديث؛ فإن تفرّده في الأحكام محلّ نظر عند كثير من أهل العلم.
والواقدي هو محمد بن عمر الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) كان كثير العلم في المغازي والسيرة، لكنه رمي بالكذب وكان يتشيع. فإذا لم يخالف الأخبار الصحيحة يقبل قوله، ولكن لا بدَّ من نقل بعض التفاصيل التي يذكرها الواقدي ولم نجد عند غيره استكمالا للحادثة إلا أنه يجب على الباحث أن يكون متنبهًا؛ فإن الواقدي يركب الأسانيد، كما قال الإمام أحمد. تاريخ بغداد (٣/ ١٣).
وقال الذهبي في السير (٩/ ٤٥٤، ٤٥٥): "جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدرر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يُستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم" اهـ.
وقال أيضا (٩/ ٤٦٩): "وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يُحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض فلا ينبغي أن يُذكر" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول (٢/ ٢٠٠ - ٢٠١) بعد ما ساق قصة من مغازي الواقدي: "وإنما سقنا القصة من رواية أهل المغازي - مع ما في الواقدي من الضعف - لشهرة هذه القصة عندهم، مع أنه لا يختلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل أمور المغازي، وأخبرهم بأحوالها، وقد كان الشافعي وأحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك من كتبه، نعم هذا الباب يدخله خلط الروايات بعضها ببعض، حتى يظهر أنه سمع مجموع القصة من شيوخه، وإنما