فقال [له]: إنه قد مات، قال:"وما يُدْريك؟ " قال: أنا رأيته، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّه لم يمت"، قال: فرجع، فصيح عليه، فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنه قد مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه لم يمت" فرجع، فصيح عليه، فقالت امرأته: انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال الرجل: اللهم! العنه، قال: ثم انطلق الرجل، فرآه قد نحر نفسه بمشْقَص معه، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قد مات، فقال:"وما يُدريك؟ " قال: رأيته ينحر نفسه بمشاقِصَ معه، قال:"أنت رأيته؟ " قال: نعم، قال:"إذًا لا أصلي عليه".
صحيح: رواه مسلم في الجنائز (٩٧٨) عن عون بن سلَّام، أخبرنا زهير، عن سماك، عن جابر فذكره. والرواية الثانية عند أبي داود (٣١٨٥) من وجه آخر، عن زهير بإسناده.
قال الترمذي عقب هذا الحديث (١٠٦٨): "هذا حديث حسن صحيح. واختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: يُصلَّي على كل من صلَّى إلى القبلة، وعلى قاتل النفس، وهو قول الثوري وإسحاق، وقال أحمد: لا يُصَلِّي الإمام على قاتل النفس، ويُصَلِّي عليه غير الإمام".
وقال النووي: في هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يُصَلِّي على قاتل نفسه لعصيانه، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يُصَلِّي عليه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُصَلَّ عليه بنفسه زجرًا للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة، وهذا كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجرًا لهم عن التساهل في الاستدانة، وعن إهمال وفائه، وأمر أصحابه بالصلاة عليه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا على صاحبكم".
قال القاضي: مذهب العلماء كافة الصلاةُ على كل مسلم، ومحدود، ومرجوم، وقاتل نفسه، وولد الزنا، وعن مالك وغيره: أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يُصلون على الفساق زجرًا لهم، وعن الزهري: لا يُصَلِّي على مرجوم، ويُصَلِّي على المقتول في قصاص، وقال أبو حنيفة: لا يُصَلِّي على محارب، ولا على قتيل الفئة الباغية، وقال قتادة: لا يُصَلِّي على ولد الزنا، وعن الحسن: لا يُصَلِّي على النفساء تموت من زنا، ولا على ولدها" انتهى.
ونقل القرطبي في "المفهم" عن الإمام أحمد: لا يُصلِّي الإمام على قاتل نفس، ولا على غال، وقال أبو حنيفة: لا يُصلِّي على من ترك الصلاة إذا قيل، ويُصلِّي على من سواه.
[٢٧ - باب ترك الصلاة على المرجوم]
• عن جابر أن رجلًا من أسلم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى شهد على نفسه أربع مرات، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبك جنون"؟ قال: لا، قال: "أحصنت؟ " قال: نعم، قال: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بالمصلي، فلما أذلقتْه الحجارة فرَّ، فأُدرك فرجم حتى مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرًا، ولم يُصَلِّ عليه.