وأما المئثرة فأنكر ما بلغها عنه فيها، وقال: هذه مئثرتي، وهي أرجوان، والمراد أنها حمراء، وليست من حرير بل من صوف أو غيره، وقد سبق أنها قد تكون من حرير وقد تكون من صوف، وأن الأحاديث الواردة في النهي عنها مخصوصة بالتي هي من الحرير.
وأما إخراج أسماء جبة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المكفوفة بالحرير فقصدت بها بيان أن هذا ليس محرما، وهكذا الحكم عند الشافعي وغيره أن الثوب والجبة والعمامة ونحوها إذا كان مكفوف الطرف بالحرير جاز ما لم يزد على أربع أصابع، فإن زاد فهو حرام لحديث عمر -رضي اللَّه عنه- عنه المذكور بعد هذا.
وأما قوله "جبة طيالسة" فهو بإضافة جبة إلى طيالسة، والطيالسة جمع طيلسان بفتح اللام على المشهور، قال جماهير أهل اللغة: لا يجوز فيه غير فتح اللام، وعدوا كسرها في تصحيف العوام، وذكر القاضي في المشارق في حرف السين والياء في تفسير الساج أن الطيلسان يقال بفتح اللام وضمها وكسرها، وهذا غريب ضعيف.
وأما قوله "كِسْروانية" فهو بكسر الكاف وفتحها والسين ساكنة والراء مفتوحة، ونقل القاضي أن جمهور الرواة رووه بكسر الكاف، وهو نسبة إلى كِسرى صاحب العراق ملك الفرس، وفيه كسر الكاف وفتحها. قال القاضي: ورواه الهروي في مسلم فقال: خسروانية.
والنهي عن الحرير المراد به الثوب المتمحض من الحرير، أو ما أكثره حرير، وأنه ليس المراد تحريم كل جزء منه، بخلاف الخمر والذهب، فإنه يحرم كل جزء منهما.
وأما قوله في الجبة "إن لها لِبْنة" فهو بكسر اللام وإسكان الباء، هكذا ضبطها القاضي وسائر الشراح، وكذا هي في كتب اللغة والغريب، قالوا: وهي رقعة في جيب القميص هذه عبارتهم كلهم. واللَّه أعلم.
وأما قولها "وفرجيها مكفوفين" فكذا وقع في جميع النسخ: "وفرجيها مكفوفين" وهما منصوبان بفعل محذوف، أي: ورأيت فرجيها مكفوفين، ومعنى المكفوف أنه جعل لها كُفة بضم الكاف، وهو ما يكف به جوانبها، ويعطف عليها، ويكون ذلك في الذيل وفي الفرجين وفي الكمين، وفي هذا جواز لباس الجبة ولباس ماله فرجان، وأنه لا كراهة فيه" اهـ.
[١٧ - باب ما جاء في لبس الحبرة]
• عن قتادة عن أنس قال: قلت له: أي الثياب كان أحب إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: الحبرة.
متفق عليه: رواه البخاريّ في اللباس (٥٨١٢)، ومسلم في اللباس (٢٠٧٩) كلاهما من طريق همام حدّثنا قتادة به، فذكره.
قوله: "الحبرة": بوزن عِنَبة، ويقال: برد حبير، وبرد حبرة على الوصف والإضافة. قال ابن بطال: هي من برود اليمن تصنع من قطن، وكان أشرف الثياب عندهم، وقال القرطبي: سميت حبرة لأنها تحبر أي تزيّن. والتحبير: التزيين والتحسين. فتح الباري (١٠/ ٢٧٧).