الدين، فهل عندكم كتاب جامعٌ شاملٌ نرجع إليه لمعرفة أقوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن مطمئنون بصحتها؟
فلما رأيتُ كلَّ ذلك شعرتُ بأهمية تأليف كتاب يجمع الصحِّاح والحِسان والجياد من الأحاديث المسندة المرفوعة المتفرقة في دواوين السنة، فاستخرت اللَّه سبحانه وتعالى، وطلبتُ منه العونَ والتوفيقَ، وشمّرتُ عن ساعد الجِدّ لإِكمال هذا المشروع المبارك، أرجو من ورائه النفعَ والخيرَ الكثيرين للأمة الإسلامية.
[الأحاديث الصحيحة كلها محفوظة]
أقول -وباللَّه التوفيق-: إن السنة الصحيحة كلها محفوظة بحفظ اللَّه تعالى لها، ثم بجهود علماء الحديث الأتقياء الصالحين، ولكنها لم تكن مجتمعة عند شخص واحد، وإنما كانت مفرقة عند أفراد الأمة كما قال به كثير من أهل العلم.
قال الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى:"لا نعلم رجلًا جمع السننَ فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع عِلْم عامة أهل العلم بها أتي على السنن، وإذا فَرَّق عِلْم كلِّ واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودًا عند غيره"(١).
لأن الأحاديث لم تكن مدوّنة كلها في عصره، وإنما كانت نُتلقّى من أفواه الرجال، وهم متفرقون في البلدان، ولو كان الشافعي رحمه اللَّه وجد كتابًا في أحكام السنن أكبر من "الموطأ" لحفظه مضافا إلى ما تلقاه من أفواه مشائخه.
ولما طلب الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من مالك رحمه اللَّه أن يضعَ للناس كتبا وقال له:"جَنِّبْ فيها شدائدَ عبد اللَّه بن عمر، ورُخَص ابن عباس، وشواذّ ابن مسعود، وأقصد أوسط الأمور، وما اجتمع عليه الأمة والصحابة، ولئنْ بقيتُ لأكتبنّ كتبك بماء الذهب، فأحمِلُ الناسَ عليها".
فقال مالك:"يا أمير المؤمنين! لا تفعلْ هذا؛ فإن الناسَ قد سبقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به، ودانوا له من اختلاف أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديدٌ، فدعِ الناسَ وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم" فقال: العمري