وفي الباب أيضًا ما رُوي عن أنس بن مالك ولا يصح.
والخلاصة أنه لم يثبت في هذا الباب شيء بعتمد عليه، والشواهد التي ذكرها البيهقيّ وغيره لا يصح منها شيء؛ ولذا اختلف العلماء في هذا الموضوع، فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن المصلي يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده، وهو الصَّحيح كما يدل عليه المراسيل وآثار الصّحابة والتابعين ومن بعدهم.
وكان محمد بن سيرين يحب أن لا يجاوز بصره مصلاه.
وقال غيرهم: له أن ينظر إلى الإمام إذا كان خلفه، ومن خلفه ينظر إلى من أمامه.
وقال الآخرون: المنع هو رفع البصر إلى السماء فقط، وما عدا ذلك فهو على البراءة الأصلية، فللمصلي أن ينظر إلى جهة القبلة حيث يشاء.
وأمّا غمض العينين في الصّلاة فلم يرد عن السلف، ولذا كرهه بعض أهل العلم، منهم مجاهد وقتادة. قال البيهقيّ: وروي فيه حديث مسند وليس بشيء.
١٠ - باب نهي الرّجل عن الصّلاة، ورأسه معقوص
• عن ابن عباس أنه رأى عبد الله بن الحارث يُصَلِّي ورأسُه معقوص من ورائِه. فقام فجعل يحلُّه. فلمّا انصرف أقبل إلى ابن عباس. فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن ما مثلُ هذا مثلُ الذي يُصَلِّي وهو مكتوف".
صحيح: رواه مسلم في الصّلاة (٤٩٢) عن عمرو بن سوَّاد العامِريّ، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أن بُكيرًا حثه، أن كُرَيبًا مولى ابن عباس حدَّثه عن عبد الله بن عباس فذكره.
وقوله: معقوص وهو بمعنى مكتوف كما سبق وهو جمع الشعر وسط الرأس، وفيه أيضًا تشبُّهٌ بفعل النساء. والنهي عن كف الشعر والثوب وقد سبق.
وقال ابن الأثير في "النهاية" (٣/ ٢٧٥) معنى حديث ابن عباس: أراد أنه إذا كان شعره منشورًا سقط على الأرض عند السجود، فيُعطى صاحبه ثواب السجود به، وإذا كان معقوصًا صار في معنى ما لم يسجد، وشبهه بالمكتوف، وهو المشدود اليدين، لأنهما لا يقعان على الأرض في السجود".
• عن أبي سعيد المقبري أنه رأى أبا رافع مولى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مر بحسن بن عليّ وهو يُصلِّي قائمًا، وقد غرز ضفره في قفاه. فحلَّها أبو رافع. فالتفت حسن إليه مغضبًا فقال أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تغضب؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذلك كفْل الشّيطان" يعني مقعد الشّيطان يعني: مغرز ضفره.
حسن: رواه أبو داود (٦٤٦)، والتِّرمذيّ (٣٨٤) كلاهما من طريق عبد الرزّاق، وهو في مصنفه (٢٩٩١) عن ابن جريج، قال: حَدَّثَنِي عمران بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد المقبريّ، عن أبيه