وبهذه الطرق وغيرها التي تجاوزت عنها حسن هذا الحديث، ولا اضطراب فيه، إلا أن الخيار لثلاثة أيام كان خاصة له دون غيره.
وقوله: "لا خلابة" أي لا خديعة، يقال: خلبت الرجل إذا خدعته خلبا وخلابة بكسر الخاء. قال الشاعر: شر الرجال الخالب المخلوب.
وفي الحديث دليل على أن المحجور كالصبي لا ينفذ بيعه؛ فإن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: "لا خلابة" بمقام المحجور إذا غبن، وأراد أهله الرجوع عن البيع والشراء.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: "قل: لا خلابة" وإن كان خاصا به، ولكن يقاس عليه كل متخلف عقلا.
إلا أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن المتبايعين إذا صدرا عن رضا، وكانا عاقلين غير محجورين، فغبن أحدهما فلا يرجع فيه، ذكر قول الفقهاء هذا الخطابي في "المعالم".
٨ - باب الإحسان إلى من لا يعرفُ البيعَ والشراءَ
• عن حصين بن قيس أنه حمل طعاما إلى المدينة فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ماذا تحمل يا أعرابي؟ ". قال: قمحا. قال: "ما أردت به أو ما تريد به؟ ". قال: أردت بيعه. فمسح رأسي، وقال: "أحسنوا مبايعة الأعرابي".
حسن: رواه الطبراني في "الكبير" (٤/ ٣٥) عن أحمد بن علي الجارودي الأصبهاني، ثنا محمد ابن سهل أبو سهل البصري. (ح) وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، قالا: ثنا أبو الهيثم خلف بن الهيثم النهشلي القصار، حدثنا غسان بن الأغر النهشلي، ثنا عمي زياد بن حصين، عن أبيه، فذكره.
ورواه النسائي (٥٠٦٥) من وجه آخر، عن الصلت بن محمد، قال: حدثنا غسان بن الأغر بإسناده مختصرا، وليس فيه ذكر للمبايعة.
ولخلف بن الهيثم متابعة أخرى، فقد رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (٣/ ١) ونعيم في المعرفة (٢/ ٨٤٣) كلاهما من طريق موسى بن إسماعيل، ثنا غسان به إلا أنه ذكر الإبل دون القمح.
وغسان بن الأغر النهشلي لم يوثّقه غير ابن حبان، ولذا قال الحافظ في التقريب: "مقبول"، وهو كذلك فقد تابعه نعيم بن حصين السدوسي، قال: حدثني عمي، عن جدي، قال: أتيت المدينة، ومعي إبل لي، فذكر نحوه.
وذكر الإبل لا يخالف ذكر القمح، لأنه يمكن الجمع بينهما للبيع.
رواه البزار -كشف الأستار (١٢٧٣) - عن عبد الله بن معاوية، ثنا نعيم بن حصين السدوسي، وبهذه الطرق حسن هذا الإسناد.
قوله: "أحسنوا مبايعة الأعرابي" أي لا تغشّوهم لأنهم قليل المعرفة عن الأسواق التجارية.