الحمد للَّه الذي أنزل القرآن، وتكفل بحفظه من عبث العابثين، وتحريف الغالين، وكيد الفاسقين، فقال اللَّه عز وجل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[سورة الحجر: ٩].
وأرسل اللَّهُ رَسولَه محمدَ بنَ عبدِ اللَّه صلوات اللَّه وسلامه عليه لبيان هذا القرآن العظيم فقال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[سورة النحل: ٤٤] فكان بيانه لما أنزل إليه خطابًا، وفعلًا، وسكوتًا، فبيّن -صلى اللَّه عليه وسلم- كيف نصلِّي؟ ، وكيف نصوم؟ ، وكيف نحُجّ؟ ، وكيف نُزكّي؟ كما بيَّن ما هو الحلال وما هو الحرام كما بيّن مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، وأعلن:"ألا إني أوتيتُ القرآن ومثله معه"؛ لأن سنته -صلى اللَّه عليه وسلم- هي التي تفصل آيات الأحكام المجملة، وتُقَيِّدُ المطلقة، وتُخصِّصُ العمومَ فلا يمكن فهمُ القرآن بدون السنة، كما لا يُتصوَّر طاعة اللَّه بدون طاعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد قرن اللَّه طاعتَه بطاعته فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم}[سورة محمد: ٣٣].
ذكر طاعة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كتاب اللَّه
قال الإمام أحمد: نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثلاثة وثلاثين موضعًا، ثم جعل يتلو:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[سورة النور: ٦٣].
[أوجه السنة مع القرآن]
قال الحافظ ابن القيم رحمه اللَّه: "والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون موافقة له من كل وجه.
والثاني: أن تكون بيانًا لما أُريد بالقرآن وتفسيرها له.
والثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه، ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تُعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدًا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته،