فمكث عنده ليالي، فأمر بحماره فأُوْكِفَ، فقال أبو الدّرداء: ما أراني إِلَّا متبعك. فأمر بحماره فأسرج، فسارا جميعًا على حماريهما، فلقيا رجلًا شهد الجمعة بالأمس عند معاوية بالجابية، فعرفهما الرّجل ولم يعرفاه، فأخبرهما خبر الناس، ثمّ إن الرّجل قال: وخبر آخر كرهت أن أخبركما، أراكما تكرهانه، فقال أبو الدّرداء: فلعل أبا ذرّ نُفِي. قال: نعم والله. فاسترجع أبو الدّرداء وصاحبه قريبًا من عشر مرات، ثمّ قال أبو الدّرداء: ارتقبهم واصطبر، كما قيل لأصحاب الناقة، اللهم! إن كذبوا أبا ذرّ فإني لا أكذبه، اللهم! وإن اتهموه فإني لا أتهمه، اللهم! وإن استغشوه فإني لا أستغشه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدًا، ويُسِرُّ إليه حين لا يُسِرُّ إلى أحد، أما والذي نفس أبي الدّرداء بيده، لو أن أبا ذرّ قطع يميني ما أبغضته بعد الذي سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ" وشهر بن حوشب مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم ينفرد ولم يأت بما ينكر عليه، ولم أجد له متابعا على هذا السياق.
ورواه أحمد أيضًا:(٢٧٤٩٣) عن حسن بن موسى وسليمان بن حرب، قالا: حَدَّثَنَا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيد، عن بلال بن أبي الدّرداء، عن أبي الدّرداء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ".
وعلي بن زيد بن جُدعان ضعيف عند أكثر أهل العلم.
ومن أخباره ما رُوي عن أبي ذرٍّ قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو عليّ هذه الآية:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق: ٢]، حتَّى فرغ من الآية ثمّ قال:"يا أبا ذرٍّ، لو أن الناس كلّهم أخذوا بها لَكَفَتْهُمْ". قال: فجعل يتلوها ويرددها حتَّى نَعَسْتُ، ثمّ قال:"يا أبا ذرّ، كيف تصنع إن أُخرِجْتَ من المدينة؟ ". قال: قلت: إلى السَّعَة والدَّعة، أنطلق حتَّى أكون حمامة من حمام مكة، قال:"كيف تصنع إن أُخرِجْتَ من مكة؟ ". قال: قلت: إلى السَّعَة والدَّعة، إلى الشام والأرض المقدسة، قال:"كيف تصنع إن أُخرِجْتَ من الشَّام؟ ". قال: قلت: إذا والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي، قال:"أو خَيرٌ من ذلك؟ ". قال: قلت: أو خَيرٌ من ذلك؟ ، قال:"تَسمع وتُطيع وإن كان عبدًا حَبَشِيًّا".
رواه ابن ماجة (٤٢٢٠)، وأحمد (٢١٥٥١) - والسياق له -، وصحّحه ابن حبَّان (٦٦٦٩)، والحاكم (٢/ ٤٩٢) كلّهم من طرق، عن كهمس بن الحسن، حَدَّثَنَا أبو السّليل، عن أبي ذرّ فذكره.
وإسناده منقطع فإن أبا السَّليل واسمه: ضريب بن نُقير لم يدرك أبا ذرٍّ.
[١١٢ - فضل أبي سفيان صخر بن حرب الأموي]
• عن عبد الله بن رباح قال: وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان - في قصة فتح مكة في حديث طويل وفيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن".