الإسماعيلي وأبا نعيم لم يجدا الحديث من غير رواية البخاري، فأخرجاه عنه، ولو كان عند غير البخاري لما ضاق عليهما مخرجه" انتهى.
قلت: هذا الدليل غير كاف في رد قول الجياني ومن معه، فلعله لم يتيسر لهما السماع من غير طريق البخاري. وذكر محمد منسوبا في تفسير سورة الكهف دليلٌ قوي على أنه الذهلي. ثم إنه ليس من أسلوب البخاري في صحيحه أن يقول: "حدثنا محمد" ويعني به نفسه.
ثم وقفت على هدي الساري (ص ٢٣٧) فوجدت فيه أن ابن حجر قال فيه نحو ما قلت، فلعله رجع عما قاله في الشرح. والله أعلم.
١٠ - باب قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)}
• عن أبي سعيد الخدري قال: بينا نحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرج، إذ عرض شاعر ينشد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا الشيطان أو - أمسكوا الشيطان - لأَنْ يمتلئ جوفُ رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا".
صحيح: رواه مسلم في الشعر (٢٢٥٩) عن قتيبة بن سعيد الثقفي، حدثنا ليث، عن ابن الهاد، عن يُحَنِّس مولى مصعب بن الزبير، عن أبي سعيد الخدري فذكره.
هذا الحديث خاص بهذا الرجل الذي لعله كان ينشد في البواطل والفواحش، ويحمل على هذا كل من يفعل ذلك.
لأن قوله تعالى بعد ذلك: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يدل على ذلك فهو استثناء منه ويدلّ عليه قول ابن عباس الآتي: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}.
• عن ابن عباس قال: فنسخ من ذلك واستثنى فقال: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}.
حسن: رواه أبو داود (٥٠١٦)، والبخاري في الأدب المفرد (٨٧١) كلاهما من حديث علي بن حسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره. وإسناده حسن من أجل الخلاف في علي بن الحسين بن واقد المروزي فإنه يحسّن حديثه إذا لم تثبت مخالفته في المتن والإسناد.
ويدل على قول ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز لشعراء الإسلام في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعوة إلى الإسلام، والدفاع عنه.
قوله: "فنسخ من ذلك" المراد به التخصيص، ويفهم من قول ابن عباس أن هذه الآية مدنية، وقد صحّ أن سورة الشعراء نزلت في مكة، فقال النحاس في "الناسخ والمنسوخ" أن سورة الشعراء