رواه أحمد (٢٤٠٠٩/ ٨٨)، والطَّبرانيّ في الكبير (١٨/ ٣٢٣) كلاهما من طرق عن أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي، عن يحيى بن هانئ بن عروة، عن فروة بن مُسيك فذكره.
وأبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي متكلم فيه، قال عنه الحافظ: "ضعّفوه لكثرة تدليسه".
لكنْ لا بأس به في المتابعة، وبهذين الإسنادين يرتقي الحديث إلى درجة الحسن.
قال الترمذيّ: "هذا حديث حسن غريب". وحسّنه أيضًا ابن كثير في تفسيره.
٤ - باب قوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (١٨) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩)}
قوله: {وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} أي قرى الشام.
قوله: {قُرًى ظَاهِرَةً} أي بلد بعد بلد، فإذا خرجوا من مملكة سبأ التي كانت في اليمن للتجارة مروا على القرى المتواصلة بعضها ببعض، ولذلك ما كانوا يحملون الزاد والماء.
والظاهر أن هذه القرى بناها ملوك هذه البلاد لراحة القوافل، أو بناها الناس نظرًا لورود القوافل إليهم من اليمن إلى الشام، ومن الشام إلى اليمن.
قوله: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} أي لهم أن يسيروا ليلًا أو نهارًا فلا يعترضهم أحد بسوء، ولا يجدون المشقة في حصول الطعام والماء.
وهذه النعمة العظيمة التي وهبهم الله لم يقدروها، فقالوا: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} لعل قولهم هذا كان على سبيل الاستهزاء لدعوة الأنبياء والعلماء إلى التوحيد والعمل الصالح، وقد كفروا بالله بعد سليمان عليه السّلام.
وقال مجاهد: بطروا النعمة، وسئموا الراحة.
قوله: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي عاقبناهم على كفرهم وشركهم بعد أن كانوا في نعمة من الله تعالى، وفي بحبوحة من العيش، فصار وجودهم في الأخبار والقصص عبرةً لمن بعدهم بخلاف المؤمن كما جاء في الصَّحيح:
• عن صُهَيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحدً إلَّا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له".
صحيح: رواه مسلم في الزهد والرقائق (٢٩٩٩) من طرق عن سليمان بن المغيرة، حَدَّثَنَا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صُهَيب، فذكره.
وفي معناه أحاديث أخرى مذكورة في كتاب الجنائز.