هذه أول جمعة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطلقًا. لأنه لم يتمكن هو وأصحابه بمكة من الاجتماع حتى يقيموا بها جمعة ذات خطبة وإعلان بموعظة، وما ذاك إلا لشدة مخالفة المشركين له، وأذيتهم إياه. لأن الجمعة فرضت بمكة على رأي الإمام أحمد وكثير من الشافعية والمالكية، وأما كونه لم يصل بمكة فكما قال ابن كثير لوجود الموانع من ذلك. انظر: البداية والنهاية (٤/ ٥٢٦).
وأما خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ فذكرها ابن جرير الطبرى في تاريخه (٢/ ٣٩٤ - ٣٩٦) والبيهقي في دلائله (٢/ ٥٢٥، ٥٢٤) وفي ألفاظهما بعض الاختلافات، كما أن الطريقين مرسلين ويقوي بعضها بعضًا لاختلاف مخارجهما.
وأما ما رواه ابن أبي شبّة في تاريخ المدينة (١/ ٦٨) عن أبي غسان، عن ابن أبي يحيى، عن عبد الرحمن بن عتبان، عن أبان بن عثمان، عن كعب بن عجرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في أول جمعة حين قدم المدينة في مسجد بني سالم في مسجد عاتكة. ففيه ابن أبي يحيى وهو إبراهيم بن أبي يحيى كذاب.
أول جمعة أقيمت قبل مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة كانت مع مصعب بن عمير.
وخرّج البيهقي في سننه (٣/ ١٧٩) عن الزهري قال: بلغنا أن أول ما جمّعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمّع بالمسلمين مصعب بن عمير، وهو مرسل.
وقد تواترت الآثار أن مصعب بن عمير هو أول من جمّع بالمدينة قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[٢٢ - استقبال أهل المدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل حفاوة وتكريم]
• عن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانوا يقرئوون الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جعل الاماء يقلن: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
صحيح: رواه البخاري في مناقب الأنصار (٣٩٢٥) عن محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب، فذكره.
وفي رواية عبد الله بن رجاء: فخرج الناس حين قدم المدينة في الطرق وعلى البيوت، والغلمان والخدم يقولون: جاء محمد رسول الله، الله أكبر، جاء محمد رسول الله.
وأخرج البيهقي في الدلائل (٢/ ٥٠٨) من طريق إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس: فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
وفيه إبراهيم بن صرمة ضعيف. ومحمد بن سليمان لا يعرف.
وأخرج أبو سعيد في شرف المصطفى، وروينا في فوائد الخلفي من طريق عبيد الله ابن عائشة