وعبد الحميد بن سليمان وزمعة بن صالح كلاهما ضعيفان غير متهمين، وبهذه المتابعات يرتقي الحديث إلى درجة الحسن.
قال الترمذيّ: "هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد".
٣ - باب قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤)}
أي: أن هذا القرآن تذكير لك ولقومك لتبدأ الدعوة بهم، قال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤]. وتخصيص عشيرة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وقومه بالذكر لا ينفي غيرهم، إنّما جاء ذكرهم في الآية المذكورة لأنهم أول المخاطبين، وإلا فالقرآن أنزل هدى ورحمة للناس كافة، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ١٨٥]، والرسول الذي أنزل عليه هذا القرآن أرسل إلى الناس كافة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: ٢٨].
٤ - باب قوله: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)}
قوله: {يَصِدُّونَ} أي: يضجون، وذلك لما ضُرِبَ ابن مريم مثلا ضجَّ أهل مكة، وقالوا: ما يريد محمد منا إِلَّا أن نعبده ونتخذه إلها كما عبدت النصارى ابنَ مريم.
قوله تعالى: {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} يعنون محمدًا، فنطيعه ونعبده ونترك آلهتنا. وبه قال قتادة.
وقوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} يعني هذا المثل جدلا وخصومة بالباطل وإلا متى دعا محمد إلى عبادته، وقد جاء في الحديث:
• عن أبي أمامة قال: قال رسول الله عدل - صلى الله عليه وسلم -: "ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إِلَّا أوتوا الجدل". ثمّ تلا هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}.
حسن: رواه الترمذيّ (٣٢٥٣)، وابن ماجة (٤٨)، وأحمد (٢٢١٦٤)، وصحّحه الحاكم (٢/ ٤٤٨، ٤٤٧) كلّهم من طرق عن حجَّاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: فذكره.
قال الترمذيّ: "هذا حديث حسن صحيح، إنّما نعرفه من حديث حجَّاج بن دينار، وحجاج ثقة مقارب الحديث، وأبو غالب اسمه: حزَوّرٌ".
قلت: إسناده حسن من أجل أبي غالب، فإنه مختلف فيه غير أنه حسن الحديث فيما له أصل،