حديث أم سلمة الأول اختصره مالك وأرسله وذكره بلاغا في الطلاق (١١٩) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة فذكره.
كما أنه ذكر بلاغا آخر (١١٦) عن أم سلمة قالت لامرأة حاد على زوجها، اشتكتْ عينَيْها: "اكتحلي بكحل الجلاء بالليل، وامسحيه بالنهار" وهو الذي وصله أبو داود وغيره وفيه المسلسل بالمجهولين.
وقال أيضا (١١٧) بلغني عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة المتوفّى عنها زوجُها: "إنها إذا خشِيَتْ على بصرها من رمد، أو شكوى أصابها، إنها تكتَحِل وتتداوى بدواء، أو كحل، وإن كان فيه طيب". وقد اختلف أهل العلم في اكتحال المتوفّى عنها زوجُها.
فقالوا: إنْ كان الاكتحال لزينة العين وتحسينها فلا خلاف في تحريمها.
وأما إذا كان للضرورة مثل أن يُخشى على ذهاب بصرها، أو إصابتها برمدٍ وغيره من الأمراض فلا حرج في ذلك؛ لأن من مقاصد الشريعة رفع الحرج، وحديث أم سلمة الأول يدل على الاكتحال مطلقا فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، والحديث الثاني يدل على جواز الاستعمال عند الضرورة جمعًا بين الحديثين، وبين آثار الصحابة والتابعين والفقهاء والمحدثين، فإن الضرورات تُبيح المحظورات.
وأما ما روي عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر بن أبي طالب أتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "تَسَلَّبِي ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت" فهو شاذ.
رواه أحمد (٢٧٤٦٨) وابن حبان (٣١٤٨) والبيهقي (٧/ ٤٣٨) كلهم من طرق عن محمد بن طلحة بن مصرف، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أسماء بنت عميس، فذكرته.
وأسماء هي زوج جعفر بن أبي طالب، وهي والدة عبد الله ومحمد وعون وغيرهم من أولاد جعفر.
رجاله ثقات غير محمد بن طلحة بن مصرف؛ فإنه مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إلا أنه أخطأ في هذا الحديث لمخالفته للأحاديث الصحيحة في حداد المرأة على زوجها. ولذا حكم عليه بالنكارة. وأعله أحمد بالشذوذ كما ذكره ابن حجر في الفتح (٩/ ٤٨٧).
وقوله: "تَسَلَّبِي" أي: البسي ثوب الحداد ثلاثا، وتحرف في صحيح ابن حبان إلى "تَسَلَّمِي" وجعل يبين معنى "تسلَّمي"، وفيه تكلف، والصواب أنه محرف من "تَسَلَّبِي".
٤ - باب اجتناب الحادة من الثياب المُصْبَغة
• عن أم عطية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُحِدَّ المرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عَصْبٍ، ولا تَكْتَحِل، ولا تمس طيبًا، إلا عند طهرها حين تطهر: نبذة من قسط وأظفار".
متفق عليه: رواه البخاري في الحيض (٣١٣) ومسلم في الطلاق (٩٣٨) كلاهما من حديث