البخاري، والبخاري أجلّ من أن يقول مثل هذا، وفي الباب أحاديث صحيحة. انظر: تخريجه في الجامع الكامل في الأدعية والأذكار.
ومن العلل الخفية في الإسناد أن يكون ظاهرة السلامة وفيه علّة خفية يظهرها أحدُ الجهابذة مثل حديث عمار بن ياسر قال:"رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخلَلُ لحيتَه". رواه الترمذي (٣٠)، وابن ماجه (٤٢٩) قالا: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسّان بن بلال قال: رأيت عمار بن ياسر توضأ، فخلّلَ لحيتَه، وقال: لقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخلّلُ لحيتَه.
فهذا الإسناد ظاهرة السلامة من العلل، ولكن أظهر أبو حاتم علة هذا الحديث فقال:"لم يحدّث بهذا أحدٌ سوى ابن عيينة عن ابن أبي عروبة، وقال: لو كان صحيحا لكان في مصنفات ابن أبي عروبة، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث (السماع)، وهذا أيضًا مما يؤهّنه علل ابن أبي حاتم (٦٠)، فأعلّه أبو حاتم بعدم وجود الحديث في مصنفات ابن أبي عروبة، وفيه دليلٌ على أن التحديث لم يكن شفويّا عن الشيوخ الذين عندهم أصول.
والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن تُجمع طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويُعتبر بمكانتهم في الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط كما قال الخطيب البغدادي (١).
والحاكم رحمه اللَّه تعالى في كتابه "معرفة علوم الحديث" قسّم أجناس العلل إلى عشرة أجناس، ونقله عنه السيوطي في "تدريب الراوي"، وإني أمعنتُ النظر في هذه العلل، فظهر لي أن أجناس علل الحديث لا تنحصر على عشرة، فقد تكون علة واحدة لعددٍ من الأحاديث، وقد تكون لكل حديث معلول علة جديدة تختلف عن غيرها.
[٢٥ - الاضطراب]
والاضطراب في الحديث لا يتحقق حتى يتوفر فيه شرطان:
أحدهما: اختلاف الرواة في الحديث على أوجه لا يمكن جمعها.
(١) في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (٢/ ٢٩٥).