للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني، وكان للبخاري علم واسع في بيان علل الحديث يظهر ذلك جليا في كتابه "التاريخ الكبير"، و"سؤالات الترمذي عنه".

والعلّة قد تظهر وقد تخفى، كما قد تكون في الإسناد دون المتن، وقد تكون في المتن دون الإسناد، ولذا قلّما سلم أحد في هذا الباب؛ لأن عدم العلم لا يستلزم عدم الوجود، وقد ذكرت أمثلة كثيرة في الجامع الكامل في المناسبات، وإذا لم يظهر لي شيءٌ خلاف ما ادّعوا، اعتمدتُ على قولهم لمكانتهم في هذا العلم.

والمثال على ذلك ما رُويَ عن أبي هريرة مرفوعا: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك". انظر تخريجه: في باب ما يقول إذا قام من مجلسه.

هذا الحديث رواه موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره.

وظاهره الصحة ولذا صحّحه الترمذي وابن حبان والحاكم، ولكن فيه علة خفية أظهرها البخاري، رُويَ أن مسلما جاء إلى البخاري وسأله عنه فقال: "هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول، حدثنا به موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا سهيل، عن عون بن عبد اللَّه قوله". قال البخاري: "وهذا أولى لأنه لا يُذكر لموسى بن عقبة سماعٌ من سهيل".

ولما سمع مسلم ما قاله البخاري قبّل بين عينيه، وقال: دعْني حتى أقبّل رِجْليْك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله.

قلت: ما أعلّ به البخاري هو الصحيح وبه أعله أيضًا أئمة الحديث منهم: أحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والدارقطني وغيرهم إلا أن قول البخاري: "لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث" ليس بصحيح، ففي الباب صحّ عن عائشة، والسائب بن يزيد، وأبي برزة الأسلمي، وعن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد روي أيضًا عن أنس بن مالك، وجبير بن مطعم وغيرهما إلا أنها معلولة، فالظاهر أن هذا النقل من البخاري فيه خطأ، أخطأ من نسب هذا القول إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>