قال قتادة: هذه خاصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا بنفسه لم يكن لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذرٍ أو إذنٍ، وأما غيره من الأئمة والولاة فيجوز لمن شاء من المسلمين أن يتخلف عنه إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورة.
وقال غيره: أنها عامة لأول هذه الأمة وآخرها. روي ذلك عن الأوزاعي وابن المبارك وغيرهما.
قلت: القول الثاني له وجه قوي فإن الأئمة والولاة تبعا لخطاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا وجب الخروج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكذلك مع الأئمة والولاة إلا بعذر أو بإذن.
{مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أي: من جنسكم، تعرفون نسبه وحسبه، وهو من العرب مثلكم من بني إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وهو من دعوة إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ}[سورة البقرة: ١٢٩].
وقد امتن الله تعالى في موضع آخر فقال:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: ١٦٤] وغيرها من الآيات.
كما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي، والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى: إن الله بعث فينا رسولا منا، نعرف نسبه وصفته، ومدخله ومخرجه، وصدقه وأمانته فذكر الحديث، لما كان الأمر هكذا فلم تكفرون بهذا النبي الكريم وما جاء به، مع أنه حريص على إيمانكم وصلاحكم، ورؤوف رحيم بمن آمن به.